و أمّا
القسم الثالث و هو ما لم يكن الملاك فيه مشروطا بالقدرة،بل القدرة معتبرة
فيه عقلا،فتارة يكون أحدهما أهمّ ملاكا من الآخر أهميّة ملزمة و في مثله
لابدّ من تقديمه على المهمّ؛لأنّه يكون من قبيل تزاحم المستحبّ و الواجب و
لا ريب في أنّ المهمّ لا يزاحم الأهمّ،بل الشارع المقدّس لا يرفع اليد عن
الأهمّ لأجل المهمّ فالعقل حينئذ يحكم بلزوم مراعاة الأهمّ،من غير فرق بين
أن يكون الأهمّ سابقا أو مقارنا أو لاحقا بحسب الزمان،و لا فرق في اللاحق
بحسب الزمان بين أن يكون وجوبه فعليّا و زمانه متأخّرا كما إذا قلنا
بالوجوب المعلّق،أو لم يكن فعليّا كالوجوب المشروط؛ضرورة أنّه يجب حفظ
القدرة على الأهمّ في ظرفه،مثلا إذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفي إلاّ
ظمآنا واحدا و دار الأمر بين أن يعطيه لزيد المؤمن فعلا لكنّه يعطش النبيّ
بعد ساعة فيموت عطشا،و بين أن يبقيه للنبيّ الذي يعطش بعد ساعة،لا ريب في
حكم العقل بلزوم حفظه و إن لم يكن وجوب فعلا لحفظ النبيّ، لكنّه يحدث قطعا
حسب الفرض و إن فات ملاك حفظ المؤمن إلاّ أنّه بالعجز،نعم لو عصى و قدّم
الماء للمؤمن فهل أطاع أمره أم لا؟كلام مبنيّ على الترتّب كما سيجيء.
و أمّا إذا كانا متساويين في الأهميّةفلا
ريب في كون الحكم هو التخيير بينهما؛ لفرض وجدان كلّ منهما لملاكه و قدرة
المكلّف على أحدهما قطعا فلا يفوت الشارع لكليهما؛إذ الضرورة تقدّر
بقدرها،إلاّ أنّ الكلام في أنّ التخيير هنا شرعي أم عقلي:
ذهب جماعة[1]إلى كون التخيير
شرعيّا بدعوى كون الخطاب بهما معا محال؛لقبح التكليف بما لا يطاق،و بأحدهما
معيّنا ترجيح من غير مرجّح فيسقط الخطابان،
()المراد من كونهما متساويين عدم إحراز
أهميّة أحدهما،فلا ينافي احتمال الأهميّة لأحدهما بعينه كما سيأتي في
ثمرات الميرزا.(الجواهري).
[1]منهم صاحب الحاشية في هداية المسترشدين 2:271،و المحقّق الرشتي في بدائع الأفكار: 367،على ما نسب إليهما في أجود التقريرات 2:45.