فانه أقیم مقام الهیبة و الحیاء، فلم ینطق حتی سلم علیه خالقه، فقال: وَ سَلامٌ عَلَیه یَومَ وُلِدَ وَ یومَ یَمُوتُ وَ یَومَ یُبْعَثُ حَیَّاً [1]. و انظر کیف احتمل لاخوة یوسف ما فعلوا به، و قد قال بعض العلماء: «قد عددت من أول قوله- تعالی-: إذْ
قالُوا لَیُوسُفُ وَ أخوهُ أَحَبُ إلی أبینا مِنَّا [2] إلی رأس العشرین
آیة من اخباره- تعالی- عنهم، فوجدت به نیفا و أربعین خطیئة، بعضها أکبر من
بعض، و قد یجتمع فی الکلمة الواحدة الثلاث و الأربع، فغفر لهم و عفی عنهم، و
لم یحتمل لعزیر فی مسألة واحدة سأل عنها فی القدر، حتی قیل: لئن عاد محی
اسمه عن دیوان النبوة». و من فوائد هذه القصص فی القرآن: ان تعرف بها سنة
اللّه فی عباده الذین خلوا من قبل، فما فی القرآن شیء إلا و فیه أسرار و
أَنوار یعرفها الراسخون فی العلم.
تذنیب (العزلة)
اعلم ان من بلغ مقام الانس، غلب علی قلبه حب الخلوة و العزلة عن الناس.
لان المخالطة مع الناس تشغل القلب عن التوجه التام إلی اللّه. فلا بد لنا
من بیان ان الأفضل من العزلة و المخالطة ایهما. فان العلماء فی ذلک
مختلفون. و الاخبار أیضا فی ذلک مختلفة. و لکل واحد منها أیضا فوائد و
مفاسد. فنقول: الظاهر من جماعة: تفضیل العزلة علی المخالطة مطلقا.