الوجه
الأخیر لا نسبة لمنزلتها و درجتها إلی درجة العبادة علی الوجهین الأولین،
فان من تنعم بلقاء اللّه و النظر إلی وجهه الکریم، یسخر ممن یلتفت الی وجه
الحور العین کما یسخر المتنعم بالنظر إلی وجه الحور العین بالملتفت الی
الصور المصنوعة من الطین، و کما یسخر المتنعم بالنظر إلی وجوه النساء
الجمیلة بالخنفساء التی تعرض عن النظر إلی وجوههن و تلتفت إلی صاحبتها و
تألف بها، بل هذه أمثلة أوردناها من باب الاضطرار، إذ التفاوت بین جمال
الحضرة الربوبیة و جمال الحور العین او النسوان الجمیلة أعظم کثیرا من
التفاوت بین جمال الحور العین و الصور المصنوعة من الطین و بین جمال
النسوان الجمیلة و الخنفساء، کیف و التفاوت فی الثانی متناه و فی الأول غیر
متناه، و أی نسبة للمتناهی إلی غیر المتناهی؟
فصل (نیة المؤمن خیر من العمل)
لما عرفت ان النیة روح العمل و حقیقته، و توقف نفع العمل علیها دون
العکس، و کون الغرض الأصلی من العمل تأثیر القلب بالمیل إلی اللّه- تعالی- و
توقفه علی النیة، فهی خیر من العمل، بمعنی أن العمل إذا حلل الی جزئیه
یکون جزؤه القلبی- اعنی النیة- خیرا من جزئه الجسمانی- اعنی ما یصدر من
الجوارح-، و الثواب المترتب علیه أکثر من الثواب المترتب علیه، و لذا قال
اللّه- سبحانه-: لَن یَنالَ اللّهَ لُحومُها وَ لا دِماؤها وَ لکِنْ یَنالُهُ التَّقْوی مِنْکُمْ [1].