responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : جامع السعادات المؤلف : النراقي، المولى محمد مهدي    الجزء : 1  صفحة : 239

هذا و للمکر مراتب شتی و درجات لا تحصی من حیث الظهور و الخفاء، فربما لم یکن فیه کثیر دقة و خفاء فیشعر به من له أدنی شعور، و ربما کان فی غایة الغموض و الخفاء بحیث لم یتفطن به الأذکیاء. و من حیث الموارد و المواضع کالباعث لظهور المحبة و الصداقة و اطمئنان عاقل، ثم التهجم علیه بالإیذاء و المکروه، و الباعث لظهور الأمانة و الدیانة و تسلیم الناس أموالهم و نفائسهم إلیه علی سبیل الودیعة أو المشارکة أو المعاملة، ثم أخذها و سرقها علی نحو آخر من وجوه المکر، و کالباعث لظهور ورعه و عدالته و اتخاذ الناس إیاه إماما أو أمیرا فیفسد علیهم باطنا دینهم و دنیاهم. و قس علی ذلک غیره من الموارد و المواضع.
ثم المکر من المهلکات العظیمة، لأنه أظهر صفات الشیطان، و المتصف به أعظم جنوده، و معصیته أشد من معصیة إصابة المکروه إلی الغیر فی العلانیة، إذ المطلع بإرادة الغیر إیذاءه یحتاط و یحافظ نفسه عنه، فربما دفع أذیته، و أما الغافل فلیس فی مقام الاحتیاط، لظنه أن هذا المکار المحیل محب و ناصح له، فیصل إلیه ضره و کیده فی لباس الصداقة و المحبة. فمن أحضر طعاما مسموما عند الغیر مریدا إهلاکه فهو أخبث نفسا و أشد معصیة ممن شهر سیفه علانیة مریدا قتله، إذ الثانی أظهر ما فی باطنه و اعلم هذا الغیر بإرادته، فیجزم بأنه عدو محارب له فیتعرض لصرف شره و منع ضره، فربما تمکن من دفعه، و أما الأول فظاهره فی مقام الإحسان و باطنه فی مقام الإیذاء و العدوان، و الغافل المسکین لا خبر له عن خباثة باطنه، فیقطع بأنه یحسن إلیه، فلا یکون معه فی مقام الدفع و الاحتیاط، بل فی مقام المحبة و الوداد، فیقتله و هو یعلم أنه یحسن إلیه، و یهلکه و هو فی مقام الخجل منه.
و بالجملة: هذه الرذیلة أخبث الرذائل و أشدها معصیة، و لذلک
قال
اسم الکتاب : جامع السعادات المؤلف : النراقي، المولى محمد مهدي    الجزء : 1  صفحة : 239
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست