هذا و
للمکر مراتب شتی و درجات لا تحصی من حیث الظهور و الخفاء، فربما لم یکن فیه
کثیر دقة و خفاء فیشعر به من له أدنی شعور، و ربما کان فی غایة الغموض و
الخفاء بحیث لم یتفطن به الأذکیاء. و من حیث الموارد و المواضع کالباعث
لظهور المحبة و الصداقة و اطمئنان عاقل، ثم التهجم علیه بالإیذاء و
المکروه، و الباعث لظهور الأمانة و الدیانة و تسلیم الناس أموالهم و
نفائسهم إلیه علی سبیل الودیعة أو المشارکة أو المعاملة، ثم أخذها و سرقها
علی نحو آخر من وجوه المکر، و کالباعث لظهور ورعه و عدالته و اتخاذ الناس
إیاه إماما أو أمیرا فیفسد علیهم باطنا دینهم و دنیاهم. و قس علی ذلک غیره
من الموارد و المواضع. ثم المکر من المهلکات العظیمة، لأنه أظهر صفات
الشیطان، و المتصف به أعظم جنوده، و معصیته أشد من معصیة إصابة المکروه إلی
الغیر فی العلانیة، إذ المطلع بإرادة الغیر إیذاءه یحتاط و یحافظ نفسه
عنه، فربما دفع أذیته، و أما الغافل فلیس فی مقام الاحتیاط، لظنه أن هذا
المکار المحیل محب و ناصح له، فیصل إلیه ضره و کیده فی لباس الصداقة و
المحبة. فمن أحضر طعاما مسموما عند الغیر مریدا إهلاکه فهو أخبث نفسا و أشد
معصیة ممن شهر سیفه علانیة مریدا قتله، إذ الثانی أظهر ما فی باطنه و اعلم
هذا الغیر بإرادته، فیجزم بأنه عدو محارب له فیتعرض لصرف شره و منع ضره،
فربما تمکن من دفعه، و أما الأول فظاهره فی مقام الإحسان و باطنه فی مقام
الإیذاء و العدوان، و الغافل المسکین لا خبر له عن خباثة باطنه، فیقطع بأنه
یحسن إلیه، فلا یکون معه فی مقام الدفع و الاحتیاط، بل فی مقام المحبة و
الوداد، فیقتله و هو یعلم أنه یحسن إلیه، و یهلکه و هو فی مقام الخجل منه. و بالجملة: هذه الرذیلة أخبث الرذائل و أشدها معصیة، و لذلک قال