اسم الکتاب : شرح توحید صدوق المؤلف : القمي، القاضي سعيد الجزء : 1 صفحة : 88
و بين مدركات
أبصار الجمهور- حيث لم يتدرّجوا من درجة الحسّ- موازيات، استعاروا عنها الألفاظ
المطلقة. فالعليّ المطلق، هو اللّه إذ لا يمكن قسمة الموجودات إلى درجات متفاوتة،
الّا و الحقّ سبحانه في الدّرجة العليا كما انقسم الموجود: إلى سبب و مسبّب و
اللّه فوق الكلّ إذ هو مسبّب الأسباب، و كذا: إلى حيّ و ميّت و الحيّ، إلى درجاته [1] المختلفة فاللّه حيّ بذاته لا بحياة
قائمة به [2]، إلى غير ذلك كذا ذكره بعض
العلماء. فعلى هذا، لمّا كان العلوّ، قسمين: علوّ مكان و علوّ مكانة و اللّه تعالى
متعال عن المكان لا عن المكانة، فمعنى العبارة انّ اللّه تعالى هو المتعالي عن
رتبة الخلق بلا تباعد مكان منهم، بل هو تعالى لا يخلو عنه مكان مع انّه ليس في
شيء من المكان.
و أنا أقول:
النظر العرفاني، يحكم بأنّ كلّ عال في درجات الاعتلاء، فانّما علوّه باللّه لأنّهم
لا يملكون لأنفسهم ضرّا و لا نفعا، فللّه العلوّ بذاته لا بغيره. و العلوّ بذاته،
يستلزم «العلوّ الذاتيّ» إذ ليس درجة من الدّرجات الوجودية الّا و قد أحاط بها «و
اللّه بكلّ شيء محيط» فهو مع كل عال في علوّه و له العلو الأعلى فوق كل عال، فليس
له «العلوّ الإضافي» إذ الكلّ مستهلك بالنسبة إليه فكيف يتحقّق الإضافة؛ فمعنى
الكلام:
انّ اللّه
عزّ شأنه متعال عن درجة خلقه بالقهر لها و الإحاطة بكلّها من دون تباعد منهم بأن
تترتّب الدّرجات إلى أن [3] ينتهي إليه سبحانه حتى تكون نسبة الأشياء
إليه متفاوتة في القرب و البعد بل هو سبحانه محيط بجميع الأشياء و استوى بالنسبة
إليها «فالعلوّ الذاتيّ» هو أن يكون العليّ مع كونه فوق الكلّ