اسم الکتاب : شرح توحید صدوق المؤلف : القمي، القاضي سعيد الجزء : 1 صفحة : 225
و ليعقل العباد
عن ربّهم ما جهلوه، فيعرفوه بربوبيّته بعد ما انكروا، و يوحّدوه بالألوهيّة بعد ما
عضدوا
و ذلك لأنّ
النفوس لمّا صارت في عالم الطبيعة و ركنت إليها، بحيث صارت طبيعة [1] و نسيت ما
ألفت به من عالم النّور و التجرّد إلى أن أنكرت وجود أمر خارج عن الطبيعة، فلذا
أكثر النفوس المرتاضة بالعلم، تراها تجحد وجود الأنوار المفارقة و الأمور العالية
عن المادّة حتّى انّه حكم بعضهم بأنّ كلّ موجود فهو محسوس؛ فالأنبياء صلوات اللّه
عليهم يعرّفون الخلق أوّلا مرتبة الرّبوبية حتى يعرف الخلق خالقهم بربوبيّته و ذلك
لأنّ مرتبة الرّبوبيّة هي عالم أفعال اللّه و صنعه و إيجاده الكلّ بالوجود الخلقي
في العالم الجسماني بأن يستدلّ الأنبياء عليهم السّلام باختلاف الأحوال و تنقّلات
الآثار و وجود هذه الأشياء المعلومة، سيّما أنفسهم بعد العدم و اختلاف الليل و
النّهار و مجرى الشّمس و القمر إلى غير ذلك من الأفعال المحكمات على وجود فاعل
لهذا الخلق و التدبير، قادر على إيجادها و إعدامها و أصناف التغيير.
ثمّ إذا
تنبّهت بعض النفوس بذلك الإيقاظ و اتّعظت بعض الاتّعاظ، يعرّفونهم [2] أحدية
الألوهيّة- و هو فوق الرّبوبية إذ هي مرتبة الأسماء و الصفات التي هي مبدأ تلك
الأفاعيل التي في مرتبة الرّبوبية- حتّى «يوحّدوه بالألوهيّة بعد ما عضدوا» أي بعد
انقطاعهم عن ذلك العالم و عن المعرفة به بأن يدلّوهم [3] على
الألوهية بأنّ هذا، الربّ الّذي صحّت نسبة مربوبية الخلق [4] إليه، و
بتلك النسبة أمكنت للخلق