سبيل الاستهزاء بدعوى الرسول ان المثل وحي منزل من اللّه فإن
الكافرين بل و المنافقين ينكرون الوحي المذكور و لو اعترفوا به لما قالوا قولهم
هذا. و قد اعرض اللّه عن بيان ما أراد بالمثل فإن بيانه مقرون به و عن ذكر فائدته
فإن حكمته و مغزاه و نتيجته واضحة لا يتجاهل فيها إلا السفيه المعاند و لكنه جل
شأنه أجابهم بعاقبته السيئة بالنسبة إليهم فيما هم عليه من العناد و بأثره الحميد
بالنسبة للمؤمنين فقال جل اسمهيُضِلُّ بِهِ
كَثِيراً
من الناس المنكرين على المثل او المستهزئين أي تكون عاقبتهم في ذلك
الضلال و ان أراد اللّه به تفهيمهم و هدايتهم. و ذلك كما قيل فلان قتل فلانا بحلمه
فإنه لم يرد بحلمه إلا فضيلته و لكن صارت عاقبته ان فلان الآخر اغتر بجهله و اجترأ
على آخر فقتله فنسب القتل الى فلان الأول باعتبار ان حلمه كانت عاقبته قتل ذلك
المغتر بسوء اختيارهوَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً و هم المؤمنون إذ يتدبرونه
و يهتدون بمفاده و يعرفون حكمتهوَ ما يُضِلُّ
بِهِ بالمعنى المذكورإِلَّا الْفاسِقِينَ و هم الكافرون و المنافقون
الهاتكون للحجاب فإن الفسق في اللغة هو خروج الشيء من حجابه يقال فسقت التمرة إذا
خرجت من قشرها. و لا يضر بعمومه للكافرين و المنافقين كونه في الاصطلاح المتأخر
مختصا بالمسلم العامل بالمعاصي
27الَّذِينَ الأظهر ان ذلك بيان لصفات
مطلق الفاسقين لا خصوص من يضلهم ضرب المثليَنْقُضُونَ
عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ نقض البناء هدمه و نقض
الحبل حل فتله فهو ضد ابرامه. و العهد يستعمل في الوصية نحو قوله تعالى ألم أعهد
إليكم يا بني آدم.
و في الوعد المقرون بإظهار الالتزام به. و الميثاق مصدر من الوثوق
مثل الميعاد من الوعد و الميلاد من الولادة أي ينقضون وصية اللّه لهم أو ما أعطوه
للّه من العهد مع توثيقه بالمؤكدات.
و شبه عهد اللّه في توثيقه و ربطه ما بين العبد و ربه بالحبل و
ابرامه فاستعير لمخالفته لفظ النقض.
و الأظهر ان المراد ما عهده اللّه إلى الناس و وثقه سواء كان بدلالة
العقل أم بتبليغ الرسل و الكتب المنزلة و سواء كان في التوحيد و المعرفة أم في
النبوة أم في الإمامة ام في الدين و الشريعةوَ يَقْطَعُونَ
ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ و من ذلك صلة الأرحام و
صلة الرسول و الإمام بالطاعة كما أمر