في المحاورات على حدوده و مزاياه و تتناوله غرائزهم في اللغة على
خصائصه و تميز في كل مقام ما يراد منه. بيد ان مقام التفسير قد يشوش الذهن لعدم
اللفظ المرادف و عدم الاستقصاء في البيان لمزايا المعنى و حدوده. و قد فسرت الرحمة
بالعطف و الحنوّ. او الرأفة و الحنان. أو الرقة و التعطف. و كل هذه التفاسير إنما
تحوم حول المعنى و تشير إلى شيء منه من بعيد.
ألا ترى ان كلا من التفاسير الثلاثة تختلف كلمتاه في المعنى و إن هذه
المذكورات قاصرة مع ان الرحمة تتعدى إلى المفعول. و ان الأساس لمعنى الرحمة و
دعامه ان تتعلق بالمحتاج إلى ما لا يقدر عليه من نيل الخير و دفع الأذى و الضر. و
يكون الداعي للراحم هو احتياج ذلك المحتاج و الرغبة في إسعافه و إعانته فيه من دون
أن يرجع إلى أغراض الراحم من نحو حاجة أو محبة او ارتباط خاص به. و يعرف من
تعديتها إلى المفعول انها ليست عبارة عن الانفعال النفسي بل هي تستعمل في حالة
نفسية تتعلق بالمحتاج على الوجه المذكور و بالنسبة للّه جل شأنه نحو من كماله
الذاتي يتعلق بالمحتاجين على الوجه المذكور. و لأجل قصور البشر نوعا عن فهم صفات
اللّه جلّ اسمه على ما هي عليه جرى القرآن الكريم على التعبير عنها بما يعبر به
عما يناسبها في الشبه بالآثار و المزايا من صفات البشر الحميدة و جرى على ذلك في
المبدأ و الاشتقاق.
و تستعمل الرحمة ايضا بنفس الاسعاف او بنفس المسعف به. و من الثالث
بحسب الظاهر قوله تعالى في سورة آل عمرانوَ هَبْ لَنا
مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً و في سورة الكهفرَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً و غير ذلك. و في القرآن
ايضا ما يصلح انطباقه على المعنى الأول و الثاني. فالرحمن فعلان لذي الصفة الفعلية
البينة ذات الأثر الظاهر و لها بقاء و استمرار كغضبان و ريّان و فرحان.
فيدل على فعلية الراحمية البينة و استمرارها. و ان إهمال المتعلق مع
اشتقاقها من المتعدّي ليدل على عموم هذه الراحمية ذات الأثر الظاهر و شمولها لكل
محتاج إليها و الكل محتاج إليها. و من ذا الذي تكون راحميته او رحمته بمعنى اسعافه
فعلية بينة ظاهرة الأثر مستمرة شاملة مطلقة و من ذا الذي يقدر على هذا الإسعاف غير
اللّه جلت آلاؤه و لأجل ذلك اختص هذا الاسم الكريم باللّه جلّ شأنه (الرحيم) صفة
مشبهة تؤخذ بهذه الصيغة من المعاني الثابتة كالسجايا و الأخلاق فتدل على ثبوت
الرحمة و دوامها للّه كدوام السجايا و الأخلاق للبشر و لزومها و بهذه الدلالة و
هذه المزية كانت ابلغ في المدح و بهذه الجهة صح الترقي إليها بالتمجد و المدح و لا
يمتنع أخذ الصفة المشبهة بهذه الصيغة من الوصف المتعدي بحسب وضعه لأنه قد يجعل
لازما بتضمينه معنى السجية