قد كان من أصعب الأمور على النفوس الأمارة بالسوء. فالإخبار بتصديق
يحيي لرسالة المسيح مدح كبير له، و تمجيد له بطيبه و صلاحه و انه لا تأخذه في الحق
لومة لائم، و لا نزعة نفس أمارةوَ سَيِّداً السيادة الزعامة و ولاية
الأمر و السيد من يسود غيرهوَ حَصُوراً في رواية القمي المتقدمة الحصور الذي لا يأتي النساء. و نحوه ما في
الدر المنثور مما أخرجه عبد الرزاق و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن عساكر عن
ابن عباس. و ابن جرير و البيهقي في سننه عن ابن مسعود. و شرعيته و رجحانه و مدحه
مختص به إذ لم تعهد شرعيته و رجحانه بنحو نوعي في شريعة إلهية، و اما في شريعة
الإسلام فقد تحقق
عن الرسول الأكرم (ص) قوله النكاح سنتي فمن
رغب عن سنتي فليس مني
وَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ذكر ذلك تنويها بفضل
النبوة فإن كل الأنبياء من الصالحين
38قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي
غُلامٌ وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ في السن. يقال بلغه الكبر
و الهرم و أدركه الموت تنزيلا لهما منزلة الطالب الذي لا مفرّ منهوَ امْرَأَتِي
عاقِرٌ لأنها لم تلد مدة عمرها. و قال زكريا ذلك مع انه دعا اللّه أن يرزقه
الذرية و الولي الوارث إما طلبا للاطمئنان بالبشرى لأن ذلك على خلاف العادة في
التناسل من مثلهما. و إما شكرا و اعترافا بنعمته في اجابة دعائه على خلاف العادة
الجارية في التناسل بمعنى اني و امرأتي في مثل هذا الحال فمن اين يكون لي غلام لو
لا قدرتك و رحمتك و عنايتك الخاصة الخارقة للعادة في إجابة دعائي.
ذكر ذلك السيد الرضي «رضي اللّه عنه» في حقائق التأويلقالَ كَذلِكَ
اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ 39 قالَ زكريا طلبا لزيادة
الاطمئنان بحصول ذلك في العاجل و معرفة وقت الحمل و إن كان مؤمنا بصدق البشرى و
قدرة اللّهرَبِّ اجْعَلْ لِي في الدلالة على حصول الحمل
و اجابة دعائي علامة وآيَةً من آياتك الخارقة للعادةقالَ اللّه لهآيَتُكَ التي تطلبها هيأَلَّا
تُكَلِّمَ النَّاسَ و لا تقدر على تكليمهم و إن كان لسانك مطلقا في ذكر اللّه و تسبيحه و
الصلاة لهثَلاثَةَ أَيَّامٍ بلياليها و لذا جاء في
سورة مريمثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا. و من الشائع في العربية و غيرها في أمثال هذا المقام دخول الليل في
الأيام و النهار في الليالي يقال أقمت في البلد ثلاثة ايام كما يقال أقمت