و هذه العبارة في توحيد اللّه في الإلهية و نفي ما عداه فيها أوضح من
ان تشوش بقواعد الإعرابالرَّحْمنُ الرَّحِيمُ و قد مر تفسير الكلمتين في
بسملة الفاتحة. و لعمر الحق ان مضمون هذه الآية الكريمة في وجود الإله و وحدانيته
في الإلهية و إبداع العالم بحكمته و ارادته و رحمانيته و رحمته امر تجلوه الفطرة
للعقول الحرة بأوضح المجالي. و لكن اللّه جلت آلاؤه شاء بلطفه ان يستلفت العقول
الى ذلك بالحجة القيمة بنحو يكتفي منه العامي بنظرته البسيطة و يستنبط العالم لها
بحسب استعداده في العلوم من كل شيء يجلوه العلم برهانا كافيا.
فذكر هنا جلت الطافه بعض الآيات المشاهدة من خليقته و قال 162إِنَّ فِي
خَلْقِ السَّماواتِ و ما يرى فيها من الكواكب الثابتة و السيارات المرتفعة بعضها عن بعض
على مدار مخصوص و المستمرة كل على سيره المنتظم على منطقة البروج فضلا عما يعرف بالعلم
من فوائد سير السيار على تلك المنطقةوَ الْأَرْضِ و ما فيها من الجبال و
حكمها الباهرة. و منها تفجر العيون من أعاليها و إخراج النار من براكينها.
و من انواع المعادن. و من البحار و تياراتها و ما في ذلك من الحكموَ اخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَ النَّهارِ على نظام موزون مستمر متماثل في ايام السنين يزيد النهار في كل محل
من نصف الأرض الشمالي بمقدار ما ينقص في ذلك اليوم من مثل ذلك المحل في العرض من
النصف الجنوبي. و تجري نقيصة الليل و زيادته على عكس النهار في المحال المتماثلة
في العرض من النصفينوَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ
النَّاسَ
من تجارة البلدان النائية و الوصول الى البلاد البعيدة و كيف سخرت
لها الرياح المسماة بالتجارية. فترى السفن تجري في زمان واحد و بحر واحد كل الى
مقصدها شمالا او جنوبا او شرقا او غرباوَ ما أَنْزَلَ
اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بالنبات و الشجر و النموبَعْدَ
مَوْتِها
بكونها قاحلة ماحلة و أوجد فيها روح قوة الإنبات لا تحصل بالدوامل [1] العادية. و لا الماء الجاري نعم قد يحصل من القوة شيء باطيان
الفيضان المتشبعة بروح المطروَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ببركة إحيائهاوَ تَصْرِيفِ
الرِّياحِ
التي يسمونها استوائية
[1] الدوامل ما يداوى بها ضعف الأرض في
الإنبات من سماد و نحوه