responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 7  صفحة : 406

والواقع ان هذه المجلة كانت مدرسة سيارة للعامليين والعراقيين بصورة خاصة ففضلا عما كانت تحمله من معارف وآداب إلى أبعد القرى التي لم يكن يقدر لها لولاها أن تعرف شيئا مما عرفت فضلا عن ذلك فقد كانت العرفان الباب الوحيد الذي ولج منه أفضل الأدباء والشعراء والنقاد العامليون والعراقيون إلى الحياة الواسعة.
فكم من كاتب وشاعر لولا أن العرفان شجعته واخذت بيده لظل خافت الصوت خامد القريحة وقد قدر المخلصون هذه الحقيقة فاحتفلوا بمرور خمسين عاما على صدور العرفان احتفالا رائعا في صيدا.
وإذا كنا قد خصصنا القول عن أثر العرفان في جبل عامل والعراق فليس ذلك لأن لا اثر لها في غيرهما وإنما لأنها أثرت في هذين المجالين بما لا يمكن لغيرها أن يؤثر فيهما وإلا فقد كانت العرفان منذ صدورها صدى لأصوات العرب والمسلمين المتدافعة في كل مكان، وحسبك انها عطلت مرة تعطيلا طويلا أصابها بأفدح الخسائر لأنها نشرت مقالا لكاتب من مدينة حماه أشاد به ببعض شهداء حماه الأبرار مما أغضب عليها الفرنسيين فنكبوها وطالما عانت من الفرنسيين تعطيلا ومطاردة فهي أبدا إما في تعطيل منهم أو في مصادرة ومنع في مستعمراتهم الإفريقية. ويمكن القول انها المجلة الوحيدة في بلاد الشام التي استمرت في الصدور بانتظام منذ مولدها حتى اليوم فيما عدا ما اعترضها من قوى قاهرة في الحرب والتعطيل فكم من مجلات ولدت لا في بلاد الشام وحدها بل في بلاد العرب كلها، ثم لم تلبث ان ماتت بينما ظلت العرفان تتقدم في مدارج الحياة مجتازة العقاب والصعاب ولم يكن ذلك إلا لعزيمة صاحبها واخلاصه وتضحياته وترفعه عن الاغراض.
لما أنشأ العرفان أصبحت مطبعته سوق عكاظ الأدباء والعلماء والكتاب من الأقطار العربية المختلفة، وكانت داره مقرا لأهل العلم والفضل من علماء جبل عامل، وغيرهم من الشخصيات العربية البارزة.
ولا أنسى موائد الشاي، والمجالس الأدبية التي كنت ألتقي فيها بخيرة رجال العلم والأدب في ندوة صاحب العرفان، والتي كانت عاملا فعالا في ميلي الأدبي.
وتحدث كاتب آخر عن العرفان قائلا:
والحقيقة هذه، هي أن العرفان كانت أول خيوط النور من فجر النهضة العربية الحديثة يمتد إلى مجاهل المنطقة المنعزلة الغارقة في ظلام عجيب...
من هنا ينبغي أن يبدأ الباحث، حين يريد أن يتعرف سيرة أحمد عارف الزين بحقيقتها، بأنبل صفحاتها، وأبهج مآثرها...
لقد كان صاحب العرفان يجمع لنا خيوط النور من كل مكان ويبثها شعاعا في بلادنا وفي جيلنا، فنلمح بها فجر الحياة العربية الطالع، حين لا ملمح للنور عندنا إلا من حيث يطلع العرفان ومن حيث يكتب ويكافح صاحب العرفان.
فإذا كان ناس من جيلنا، في هذه البقعة من لبنان، قد طمح في العشرينات، بالأخص، إلى العلم الحديث يتعلمونه، وإلى الأدب الجديد يتذوقونه أو يكتبونه، وإلى أسباب المعرفة يتشبثون بها من وراء المجاهل كلها، وإلى التراث العربي الصالح يتخيرون أطايبه وفضائله، وإلى الحياة الحرة الكريمة ينشدونها ويكافحون لها، فذلك كله انما كان في ذلك الزمان لأن عرفانات أحمد عارف الزين كانت الحافز الأول لهذا الطموح كله، يوم لا حافز غيرها في معتزلنا هنا آنذاك...
وإذا كان قد انحسر ظلام العهد الاستعماري هنا، في العشرينات والثلاثينات، عن حفنة من الشبان المستنيرين يجهرون، في المواسم الاجتماعية والدينية وفي المحافل المختلفة، بنداء الحرية والتحرر والاستقلال، ويقفون بجرأة أشبه بالمغامرة حيال الاقطاعية والرجعية المناصرتين لدولة الانتداب فذلك كله انما كان، لأن وطنية أحمد عارف الزين، وجرأته وصلابته، كانت تلهم وتحفز وتثير وتنير...
في فاتحة أول جزء صدر من العرفان 5 شباط 1909 يقول الشيخ أحمد عارف الزين:
... وبعد، فلما كان هذا العصر المنير، عصر العلم والنور، والحرية والدستور، عصرا تلألأت فيه أنوار الحكمة، وتقشعت سحب الجهل وغياهب الظلمة، ومنشئ هذه المجلة منذ نعومة أظفاره وهو يتشوق لانشاء صحيفة يتمكن بها من خدمة أمته ووطنه إذ كل امرئ ميسر لما خلق له. والآن قد تيسر لنا ذلك. إذ الأمور مرهونة بأوقاتها، فأنشأنا هذه المجلة على اعتراف منا بالعجز والتقصير، ودعوناها العرفان، ولكل اسم من مسماه نصيب.
وفي فاتحة الجزء الأول من المجلد الثاني الصادر في 12 كانون الثاني عام، 1910، يبتهل صاحب العرفان إلى الله هذا الابتهال الحار:
اللهم ان هذا موقف تزل به الاقدام، وتزيغ عنه الأفكار...
فثبتني بالقول الثابت، ووفقني للعمل النافع، والفكر الصائب، واهدني صراطك المستقيم...
اللهم إنا نبرأ إليك، يا ذا الحول والطول، من الحول والطول، ونسألك توفيق هذه الأمة للم الشعث، وجمع، شتات الشمل، والتمسك بأهداب النشاط والعمل، ونبذ بوادر القول الفارع والكسل، وطرح التقليد والتقيد بالعادات، واتباع الاجتهاد والاعتماد على النفس، واطلاق الأفكار والإرادات من أغلال البدع والخرافات، انك سميع مجيب...
ثم نقرأ هذا الابتهال الآخر في فاتحة الجزء الأول من المجلد الثالث 1 كانون الثاني 1911:
اللهم ثبتني بالقول الثابت، والعمل النافع، ولا تجعل للأهواء علي سبيلا، وأعذني من كل شيطان رجيم، وأفاك أثيم.
وأشهدك باني غير معصوم عن الزلل والخطل. فهب لي من ينتقد أقوالي، ويمحض أعمالي، ورحم الله امرأ اهدى إلي عيوبي.
من هذه النصوص يفتتح بها المجلدات الثلاثة الأول للعرفان نستطيع ان نستخلص الخطوط الكبرى للمنهج الذي رسمه الشيخ احمد

اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 7  صفحة : 406
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست