responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 4  صفحة : 500

اجتمعنا في دار عبد الله بالخلد وعنده محمد بن يزيد النحوي - المبرد سنة 276 -. وذكروا معنى تعاوره البحتري وأبو تمام أنت في هذا أشعر من أبي تمام فقال كلا والله ذاك الرئيس الأستاذ والله ما أكلت الخبز إلا به فقال له محمد بن يريد يا أبا الحسن تأبى إلا شرفا من جميع جوانبك وفي الأغاني كان البحتري يتشبه بأبي تمام ويحذو مذهبه وينحو نحوه في البديع الذي كان أبو تمام يستعمله ويراه صاحبا واماما ويقدمه على نفسه ويقول في الفرق بينه وبينه قول منصف ان جيد أبى تمام خير من جيده ووسطه خير من وسط أبي تمام ورديئه وكذا حكم هو على نفسه وقال الخطيب في تاريخ بغداد: أخبرني علي بن أيوب القمي أنبأنا محمد بن عمران الكاتب (المرزباني) أخبرني الصولي حدثني الحسين بن إسحاق قال قلت للبحتري الناس يزعمون انك أشعر من أبي تمام فقال والله ما ينفعني هذا القول ولا يضير أبا تمام والله ما أكلت الخبز الا به ولوددت ان الامر كما قالوا ولكني والله تابع له لائذ به آخذ منه. نسيمي يركد عند هوائه وأرضي تنخفض عند سمائه (اه‌) هذا ان لم يحمل كلام البحتري على هضم النفس والاعتراف بالجميل لكون أبي تمام هو الذي رباه وعلمه طرائق الأدب ونظم الشعر كما مر وفي أخبار أبي تمام للصولي: حدثني أبو بكر أحمد بن سعيد الطائي قال كان ابن عبد كان وإسماعيل بن القاسم وهما علمان من أعلام الكتاب والأدب يقولان:
البحتري أشعر من أبي تمام فذكرت ذلك للبحتري فقال لي لا تفعل يا ابن عم فوالله ما اكلت الخبز إلا به وفي اخبار أبي تمام للصولي حدثني علي بن إسماعيل قال كنت عند البحتري فأنشدته - وهو كالمفكر - في مدح خالد ابن يزيد الشيباني.
أحلى الرجال من النساء مواقعا * من كان أشبههم بهن خدودا إلى نهاية اثني عشر بيتا من هذه القصيدة فقال ما هذا وهو فزع فقلت له ألا تعرفه هذا لأبي تمام فقال أكرتني والله وسررتني لا يحسن هذا الاحسان أحد غيره (اه‌) وفي اخبار أبي تمام للصولي: حدثني أبو عبد الله الحسين بن علي الباقطاني قلت للبحتري أيما أشعر أنت أو أبو تمام فقال جيده خير من جيدي ورديئي خير من رديئه قال أبو بكر الصولي: وقد صدق البحتري في هذا جيد أبي تمام لا يتعلق به أحد في زمانه وربما اختل لفظه قليلا لا معناه والبحتري لا يختل (اه‌) فيكون البحتري قد اعترف بفضل أبي تمام عليه وفي الموازنة الذي نرويه عن أبي علي محمد بن العلاء السجستاني وكان صديق البحتري انه سئل البحتري عن نفسه وعن أبي تمام فقال هو أغوص على المعاني وانا أقوم بعمود الشعر (اه‌).
مآخذ البحتري من أبي تمام ويناسب هنا أن نذكر ما أخذه البحتري من أبي تمام فقد اخذ منه كثيرا حتى قال ابن الرومي يهجو البحتري ويتهمه بأن كل بيت له جيد مسروق من أبي تمام وقد ظلمه.
وأرى البحتري يسرق ما قال * ابن أوس في المدح والتشبيب كل بيت له يجود معناه * فمعناه لابن أوس حبيب وحتى ألف أبو الضياء بشر بن تميم الكاتب كتابا في سرقات البحتري من أبي تمام ذكر هذا الكتاب الآمدي في الموازنة وأشار اليه الصولي في أخبار أبي تمام وقال الآمدي في الموازنة ان الذي أخذه البحتري من أبي تمام يزيد على مائة بيت اه‌ على انك قد عرفت وستعرف أن مجرد التوافق لا يدل على الأخذ لجواز توارد الخاطر وإن الأخذ لا يكون إلا في المعاني الغريبة المخترعة دون المبذولة التي يعرفها الجميع.
ما ذكره الصولي من مآخذ البحتري من أبي تمام ذكر الصولي في كتابه أخبار أبي تمام جملة من مآخذ البحتري من أبي تمام فذكر الأبيات السالف ذكرها قريبا التي فيها الاستطراد ثم ذكر الباقي فقال قال أبو تمام:
يتنزل الأمل البعيد ببشره * بشرى المخيلة بالربيع المغدق [1] وكذا السحائب قلما تدعو إلى * معروفها الرواد ما لم تبرق قال فحسن هذا المعنى وكمله ثم أوضحه في مكان آخر واختصره فقال:
إنما البشر روضة فإذا * اعقب بذلا فروضة وغدير فما زال البحتري يردد هذا المعنى في شعره ويتبع أبا تمام فيه ويقع في أكثره دونه قال في قصيدة يمدح بها رافعا.
كانت بشاشتك الأولى التي ابتدأت * بالبشر ثم اقتبلنا بعدها النعما كالمزنة استوقفت أولى مخيلتها * ثم استهلت بغزر تابع الديما ولفظ البحتري في أكثر هذه أسهل ثم ردد هذا المعنى البحتري فقال واستعاره للسيف مشرق للندى ومن حسب السيف * لمستله ضياء حديده ضحكات في أثرهن العطايا * وبروق السحاب قبل رعوده ثم ردد المعنى واسقط البشر منه وصير مكانه الرعد فقال في أبي الصقر يوليك صدر اليوم قاصية الغنى * بفوائد قد كن أمس مواعدا سوم السحائب ما بدأن بوارقا * في عارض الا انثنين رواعدا ثم ردد المعنى الأول بحاله فقال في المعتز بالله وأحسن متهلل طلق إذا وعد الغنى * بالبشر اتبع بشره بالنائل كالمزن إن سطعت لوامع برقه * أجلت لنا عن ديمة أو وابل وقال أبو تمام:
فسواء إجابتي غير داع * ودعائي بالقاع غير مجيب فقال البحتري نسخا له وسألت من لا يستجيب فكنت في * استخباره كمجيب من لا يسأل وقال أبو تمام:
إذا القصائد كانت من مدائحهم * يوما فأنت لعمري من مدائحها فقال البحتري:
ومن يكن فاخرا بالشعر يذكر في * أصنافه فبك الاشعار تفتخر وقال أبو تمام:
وإذا أراد الله نشر فضيلة * طويت أتاح لها لسان حسود فقال البحتري:
ولن تستبين الدهر موضع نعمة * إذا أنت لم تدلل عليها بحاسد وقال أبو تمام:
بخل تدين بحلوه وبمره * فكأنه جزء من التوحيد


[1] المخيلة السحابة التي تحسبها ماطرة الذي يجئ زمن الربيع والمغدق الذي يجئ بالغدق وهو الماء الكثير. - المؤلف -

اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 4  صفحة : 500
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست