responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 4  صفحة : 392

بمصر واشتغل إلى أن صار أوحد عصره وفي كتاب حديقة الأفراح: أبو تمام حبيب بن أوس الطائي نزيل الموصل الشاعر الماهر من اشتمل نظامه على كل معنى باهر قال المبرد سمعت الحسن بن رجاء يقول ما رأيت أحدا قط أعلم بجيد الشعر قديمه وحديثه من أبي تمام (اه‌) وفي شذرات الذهب حبيب بن أوس الحوراني مقدم شعراء العصر توفي آخر سنة 231 كهلا سئل الشريف الرضي عن أبي تمام والبحتري والمتنبي فقال اما أبو تمام فخطيب منبر وأما البحتري فواصف جؤذر وأما المتنبي فقائد عسكر وقال أبو الفتح ابن الأثير في كتاب المثل السائر يصف الثلاثة: وهؤلاء الثلاثة هم لات الشعر وعزاه ومناته الذين ظهرت على أيديهم حسناته ومستحسناته وقد حوت أشعارهم غرابة المحدثين وفصاحة القدماء وجمعت بين الأمثال السائرة وكلمة الحكماء أما أبو تمام فرب معان وصيقل ألباب وأذهان وقد شهد له بكل معنى مبتكر لم يمش فيه على أثر فهو غير مدافع عن مقام الأغراب الذي يبرز فيه على الاضراب ولقد مارست من الشعر كل أول وأخير ولم أقل ما أقول فيه إلا عن تنقيب وتنقير فمن حفظ شعر الرجل وكشف عن غامضه وراض فكره برائضه أطاعته أعنة الكلام وكان قوله في البلاغة ما قالت حذام فخذ مني في ذلك قول حكيم وتعلم ففوق كل ذي علم عليم وأما البحتري فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى وأراد ان يشعر فغنى ولقد حاز طرفي الرقة والجزالة على الاطلاق فبينا يكون في شظف نجد حتى يتشبث بريف العراق وسئل أبو الطيب عنه وعن أبي تمام وعن نفسه فقال أنا وأبو تمام حكيمان والشاعر البحتري قال ولعمري لقد أنصف في حكمه وأعرب بقوله هذا عن متانة علمه فان أبا عبادة أتى في شعره بالمعنى المقدود من الصخرة الصماء في اللفظ المصوع من سلاسة الماء فأدرك بذلك بعد المرام مع قربه من الافهام وما أقول إلا أنه أتى في معانيه بأخلاط الغالية ورقى في ديباجة لفظه إلى الدرجة العالية وأما أبو الطيب المتنبي فأراد ان يسلك مسلك أبي تمام فقصرت عنه خطاه ولم يعطه الشعر ما أعطاه لكنه حظي في شعره بالحكم والأمثال واختص بالابداع في وصف مواقب القتال قال وأنا أقول قولا لست فيه متأثما ولا منه متثلما وذلك أنه إذا خاض في وصف معركة كان لسانه أمضى من نصالها وأشجع من أبطالها وقامت أقواله للسامع مقام أفعالها حتى تظن الفريقين فيه تقابلا والسلاحين فيه تواصلا وطريقه في ذلك يضل بسالكه ويقوم بعذر تاركه ولا شك انه كان يشهد الحروب مع سيف الدولة بن حمدان فيصف لسانه ما أداه اليه عيانه ومع هذا فاني رأيت الناس عادلين فيه عن سنن التوسط فاما مفرط فيه وأما مفرط وهو وان انفرد في طريق وصار أبا عذره فان سعادة الرجل كانت أكبر من شعره وعلى الحقيقة فإنه كان خاتم الشعراء ومهما وصف به فهو فوق الوصف وفوق الاطراء ولقد صدق في قوله من أبيات يمدح بها سيف الدولة:
لا تطلبن كريما بعد رؤيته * ان الكرام بأسخاهم يدا ختموا ولا تبال بشعر بعد شاعره * قد أفسد القول حتى أحمد الصمم (اه‌) ويأتي عن الحسن بن رجاء أنه ما ذكر أبا تمام قط إلا قال ذاك أبو التمام وما رأيت أعلم بكل شئ منه وفي أخبار أبي تمام للصولي حدثني علي بن إسماعيل النوبختي قال قال لي البحتري والله يا أبا الحسن لو رأيت أبا تمام الطائي لرأيت أكمل الناس عقلا وأدبا وعلمت ان أقل شئ فيه شعره (اه‌) وفي هبة الأيام: تنقل إلى أن صار واحد عصره في ديباجة لفظه وفصاحة شعره وحسن أسلوبه (اه‌) وقال في موضع آخر وفضائل أبي تمام لا ترد ومحاسنه لا تعد (اه‌) ويأتي ان الزمخشري قال في تفسير سورة البقرة إنه من علماء العربية وفي تاريخ دمشق لابن عساكر في ترجمة أبي نواس قال: أبو تمام أشعر الناس وأسهبهم في الشعر كلاما بعد الطبقة الأولى بشار والسيد وأبو نواس ومسلم بن الوليد بعدهم.
مجمل سيرته قد عرفت أن أصله من قرية جاسم من قرى الجيدور التي لم يعرف أهلها بشعر ولا علم وصناعتهم الفلاحة. ولا نظن أنهم كانوا في ذلك العصر أرقى منهم في هذا العصر فهم لا يعدون ان يكونوا فلاحين ينطبق عليهم وعلى قريتهم قول أبي تمام نفسه:
بلد الفلاحة لو أتاها جرول * أعني الحطيئة لاغتدى حراثا تصدى بها الأفهام بعد صقالها * وتعيد ذكران العقول إناثا فسبحان من جعل أبا تمام يذم الفلاحين وقد كان أحدهم. كما عرفت انه في أول امره كان يخدم حائكا قزازا يعمل عنده بدمشق ثم صار يسقي الماء بالجرة في المسجد الجامع بمصر ولكن العلم والأدب الذي حصله بجده وكده وعلو همته وما طبع عليه من الذكاء والفصاحة والظرف وحسن الأخلاق وكرم النفس هي التي رفعت من قدره واعلت من شأنه فارتقى بها من أخس الصناعات إلى أن تطلبه الخلفاء والملوك والأمراء وترغب في مدحه وإلى أن يكون بعد معاشرة الحاكة عشير الأدباء والفضلاء وعشير الخلفاء والملوك والأعيان يمدحهم ويأخذ جوائزهم ويطلبونه إلى بلادهم من مكان شاسع ويعظمونه ويحترمونه ويهابون لسانه فقد طلبه المعتصم إلى سامراء ونوه باسمه ومدحه وأخذ جوائزه ومدح قاضي قضاته ووزيره وأخذ جوائزهما والى أن ترثيه بعد موته الوزراء والكبراء وقد ذهب إلى بغداد ومدح أمراءها والى مصر ومدح كبراءها بعدما كان يسقي الماء بالجرة في جامعها وذهب إلى خراسان ومدح بها آل طاهر وترقت به الحال إلى أن يجيزه عبد الله بن طاهر بألف دينار ينثرها عليه وهي تساوي خمسمائة ليرة عثمانية ذهبا فيستقلها ولا يمسها بيده فيلتقطها الغلمان. والمتنبي في أول أمره يقبل دينارا جائزة على قصيدة حتى سميت الدينارية والى ان يستقل أبو تمام عشرة آلاف درهم يجيزه بها خالد بن يزيد الشيباني وهي تساوي في ذلك العصر ألف دينار ويحلف انه ما كأفاه وضاف في طريقه راجعا من خرسان آل سلمة بهمذان فأكرموا وفادته وكان مما رفعه اليه العلم والفضل ان عد رئيسهم أبو الوفاء ابن سلمة حيلولة الئلج بين أبي تمام وبين السفر نعمة على أبي الوفاء ليغتنم وجوده بمنزله في همذان وسعى في كل ما يجلب له السرور والراحة فأدخله مكتبته الحافلة بكتب الأدب وغيرها فاختار منها الحماسة الكبرى التي طبق ذكرها الآفاق وضن بها آل سلمة ككنز يدخر فلم يتمكن أحد من رؤيتها أو نسخها حتى صعف أمر آل أبي سلمة فاغتنم بعض فضلاء أصفهان فرصة ذلك فنقلها إلى أصفهان فعكف عليها الفضلاء والأدباء و انتشرت نسخها من ذلك الآن وقدم الموصل ومدح كبراءها وولاه الحسن بن وهب بريدها فمات بها وقصد أرمينية ومدح أميرها والعلم والفضل هو الذي أوصل أبا تمام إلى أن يطير ذكره في الآفاق ويخلد حيا مدى الدهر والى ان يتعب العلماء أبدانهم ويعملوا أفكارهم ويشغلوا أقلامهم بتدوين سيرته وشرح كتبه وديوانه. ولا غرو فكم أنبتت القرى من عظماء الرجال وكم نبغ من بين الخاملين وأهل الصنائع الخسيسة من كانوا أفراد الدهر فالعلم والفضل والأدب يرفع الوضيع والجهل يضع الرفيع والمرء يعظم ويشرف بأدبه وفضله وعقله وصفاته الفاضلة وان كان في أول أمره

اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 4  صفحة : 392
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست