responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 2  صفحة : 561

واشتغل عن جلسائه حتى توصل إلى اظهارها وأنشد قول قيس بن الخطيم:
تبددت لنا كالشمس تحت غمامة * بدا حاجب منها وضنت بحاجب ثم استخرجها وأمر بإعادتها إلى مكانها من الكيس فقال له بعض جلسائه أ ما يكفيك ما في هذه الأكياس حتى أدميت إصبعك لأجل هذه القطعة فقال إنها تحضر المائدة.
وفي الصبح المنبي عن الخالديين انهما قالا كان أبو الطيب المتنبي كثير الرواية جيد النقد ولقد حكى بعض من كان يحسده أنه كان يضع من الشعراء المحدثين وبعض البلغاء المفلقين وربما قال انشدوني لأبي تمامكم شيئا حتى أعرف منزلته من الشعر فتذاكرنا ليلة في مجلس سيف الدولة بميافارقين وهو معنا فانشد أحدنا لمولانا أيده الله شعرا له قد ألم فيه بمعنى لأبي تمام استحسنه مولانا أدام الله تأييده فاستجاده واستعاده فقال أبو الطيب هذا يشبه قول أبي تمام وأتى بالبيت المأخوذ منه المعنى فقلنا قد سررنا لأبي تمام إذ عرفت شعره فقال أ ويجوز للأديب أن لا يعرف شعر أبي تمام وهو أستاذ كل من قال الشعر فقلنا قد قيل أنك تقول كيت وكيت فأنكر ذلك وما زال بعد ذلك إذا التقينا ينشدنا بدائع أبي تمام وكان يروي جميع شعره.
وفي الصبح المنبي حدث محمد بن الحسن الخوارزمي قال مررت بمحمد بن موسى الملقب بسيبويه بن الموسى وهو يقول مدح الناس المتنبي على قوله:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى * عدوا له ما من صداقته بد ولو قال ما من مداراته أو مداجاته بد لكان أحسن وأجود قال واجتاز المتنبي به فوقف عليه وقال أيها الشيخ أحب أن أراك قال له رعاك الله وحياك فقال بلغني انك أنكرت علي قولي: عدوا له ما من صداقته بد فما كان الصواب عندك فقال إن الصداقة مشتقة من الصدق في المودة ولا يسمى الصديق صديقا وهو كاذب في مودته فالصداقة إذا ضد العداوة ولا موقع لها في هذا الموضع ولو قلت ما من مداراته أو مداجاته لأصبت، هذا رجل منا يريد نفسه قال:
اتاني في قميص اللاذ يسعى * عدو لي يلقب بالحبيب فقال المتنبي أ مع هذا غيره قال نعم:
وقد عبث الشراب بوجنتيه * فصير خده كسنا اللهيب فقلت له متى استعملت هذا * لقد أقبلت في زي عجيب فقال الشمس أهدت لي قميصا * مليح اللون من نسج المغيب فثوبي والمدام ولون خدي * قريب من قريب من قريب فتبسم المتنبي وانصرف وكان المتنبي يذكر قول سيبويه في هذا البيت اه أقول لو قال ما من مداراته لفاتت المقابلة بين الصداقة والعداوة والتعبير بالصداقة هنا صحيح على نحو من التجوز أي من اظهار صداقته أو من صداقته ظاهرا أو نحو ذلك وقال ابن جني حدثني المتنبي قال حدثني فلان الهاشمي من أهل حران بمصر قال أحدثك بطريفة كتبت إلى امرأتي وهي بحران كتابا تمثلت فيه ببيتك:
بم التعلل لا أهل ولا وطن * ولا نديم ولا كأس ولا سكن فأجابتني عن الكتاب وقالت ما أنت والله كما ذكرته في هذا البيت بل أنت كما قال الشاعر في هذه القصيدة:
سهرت بعد رحيلي وحشة لكم * ثم استمر مريري وارعوى الوسن وفي اليتيمة حكى ابن جني قال حدثني أبو علي الحسين بن أحمد الصنوبري [1] قال خرجت من حلب أريد سيف الدولة فلما برزت من السور [2] إذا انا بفارس ملثم قد اهوى نحوي برمح طويل وسدده إلى صدري فكدت اطرح نفسي عن الدابة فرقا فلما قرب مني ثني السنان وحسر لثامه فإذا هو المتنبي وأنشدني:
نثرنا رؤوسا بالأحيدب منهم * كما نثرت فوق العروس الدراهم ثم قال كيف ترى هذا القول أ حسن هو فقلت له ويحك قد قتلتني يا رجل قال ابن جني فحكيت أنا هذه الحكاية بمدينة السلام لأبي الطيب فعرفها وضحك لها وذكر أبا علي من التقريظ والثناء بما يقال في مثله.
ومما يذكر من سرعة جوابه وقوة استحضاره على ما في لسان الميزان وغيره أنه حضر مجلس الوزير ابن خنزابة وفيه أبو علي الآمدي الأديب المشهور فانشد المتنبي أبياتا جاء فيها: إنما التهنيات للأكفاء فقال له أبو علي التهنئة مصدر والمصدر لا يجمع فقال المتنبي لآخر يجنبه أ مسلم هو فقال سبحان الله هذا أستاذ الجماعة أبو علي الآمدي فقال إذا صلى المسلم وتشهد أ ليس يقول التحيات فخجل أبو علي وقام.
وحكى السري الرفا الشاعر المشهور قال حضرت مجلس سيف الدولة بعد قتل المتنبي فجرى ذكره فاثنى عليه الأمير وذكر شعره بما غاظني فقلت أيها الأمير اقترح اي قصيدة أردت للمتنبي فاني أعارضها بما يعلم الأمير أن المتنبي قد خلف نظيره فقال عارض قصيدته التي أولها: لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي فلما رجعت إلى منزلي تأملت القصيدة فإذا هي ليست من مختاراته ثم مر بي فيها:
إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق * أراه غباري ثم قال له الحق فعلمت أنه أراده الأمير وخار الله لي اه وقد مرت هذه القصة عن رجل مجهول.
وقال أبو الحسين الجزار معرضا بصنعته ومشيرا إلى المتنبي:
تعاظم قدري على ابن الحسين * فذهني كالعارض الصيب وكم مرة قد تحكمت فيه * لأن الخروف أبو الطيب وقال بعض المتعصبين عليه في قوله:
تبل خداي كلما ابتسمت * من مطر برقه ثناياها انها كانت تبصق في وجهه. وقال ابن جني: قرأت ديوانه عليه فلما بلغت قوله في كافور القصيدة التي أولها:
أ غالب فيك الشوق والشوق أغلب * وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب إلى قوله:
ألا ليت شعري هل أقول قصيدة * ولا اشتكي فيها ولا أتعتب وبي ما يذود الشعر عني أقله * ولكن قلبي يا ابنة القوم قلب


[1] الظاهر أنه ولد أبي بكر أحمد بن محمد بن الحسن الصنوبري الآتية ترجمته كما بيناه هناك ولكن في نسخة الصبح المنبي المطبوعة أبو عبد الله الحسين بن أحمد الفسوي.
[2] در سيف الدولة بحلب كانت خارج السور. المؤلف

اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 2  صفحة : 561
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست