responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 2  صفحة : 539

يعرفون هذه المواضع المخيفة جماعة يمشون بين يديك إلى بغداد، فقطب وجهه وقال لم قلت هذا القول؟ فقلت لتستانس بهم، فقال أما والجراز في عنقي فما بي حاجة إلى مؤنس غيره، قلت الأمر إليك والرأي في الذي أشرت عليك، فقال تلويحك ينبي عن تعريض وتعريضك ينبي عن تصريح فعرفني الأمر وبين لي الخطب قلت إن هذا الجاهل فاتكا الأسدي كان عندي منذ ثلاثة أيام وهو غير راض عنك لأنك هجوت ابن أخته ضبة، وقد تكلم بأشياء توجب الاحتراز والتيقظ ومعه أيضا نحو العشرين من بني عمه قولهم مثل قوله، فقال غلام أبي الطيب وكان عاقلا: الصواب ما رآه أبو نصر خذ معك عشرين رجلا يسيرون بين يديك إلى بغداد، فاغتاظ أبو الطيب من غلامه غيظا شديدا وشتمه شتما قبيحا وقال والله لا أرضى أن يتحدث عني الناس باني سرت في خفارة أحد غير سيفي. قال أبو نصر: فقلت يا هذا أنا أوجه قوما من قبلي في حاجة يسيرون بمسيرك وهم في خفارتك، فقال والله لا فعلت شيئا من هذا، ثم قال يا أبا نصر بحرء الطير تخوفني ومن عبيد العصا تخاف علي والله لو أن مخصرتي هذه ملقاة على شاطئ الفرات وبنو أسد معطشون بخمس وقد نظروا إلى الماء كبطون الحيات ما جسر لهم خف ولا ظلف أن يرده، معاذ الله أن أشغل بهم فكري لحظة عين، فقلت له قل إن شاء الله تعالى فقال هي كلمة مقولة لا تدفع مقضيا ولا تستجلب آتيا، ثم ركب فكان آخر العهد به، ولما صح خبر قتله وجهت من دفنه ودفن ابنه وغلامه، وذهبت دماؤهم هدرا، هذا هو الصحيح من خبره.
ويقال أنه أراد أن ينهزم فقال له غلامه أين قولك:
الخيل والليل والبيداء تعرفني * والحرب والضرب والقرطاس والقلم فقال قتلتني قتلك الله ثم قاتل حتى قتل، وأظن أن هذا الخبر مما خلقته بعض المخيلات من أجل البيت المذكور فالغلام الذي رأى الموت محدقا به وبمولاه والذي كان قد أشار بأخذ الخفراء وكان عاقلا ليس له في تلك الحال ما يدعوه إلى إهلاك نفسه ومولاه والذين جاءوا لقتل المتنبي كانوا في عدة واستعداد لا يمكنه معها الهرب فهم كانوا على أهبة وتدبير وهو على غفلة وغرور، وقيل إن الخفراء جاءوه وطلبوا منه خمسين درهما ليسيروا معه، فمنعه الشح والكير فتقدموه ووقع به ما وقع، ولما قتل رثاه أبو القاسم مظفر بن علي بن المظفر بن علي الطبسي بقوله:
لا رعى الله سرب هذا الزمان * إذا دهانا بمثل ذاك اللسان ما رأى الناس ثاني المتنبي * أي ثان يرى لبكر الزمان كان من نفسه الكبيرة في جيش * وفي الكبرياء ذا سلطان هو في شعره نبي ولكن * ظهرت معجزاته في المعاني ورثاه أيضا ثابت بن هارون الرقي النصراني بقصيدة يستثير فيها عضد الدولة على فاتك الأسدي وهي:
الدهر أخبث والليالي أنكد * من أن تعيش لأهلها يا أحمد قصدتك لما أن رأتك نفيسها * بخلا بمثلك، والنفائس تقصد ذقت الكريهة بغتة وفقدتها * وكريه فقدك في الورى لا يفقد قل لي ان اسطعت الخطاب فإنني * صب الفؤاد إلى خطابك مكمد أ تركت بعدك شاعرا والله لا * لم يبق بعدك في الزمان مقصد أما العلوم فإنها يا ربها * تبكي عليك بأدمع لا تجمد يا أيها الملك المؤيد دعوة * عمن حشاه بالأسى يتوقد هذي بنو أسد بضيفك أوقعت * وحوت عطاءك إذ حواه الفرقد وله عليك بقصده يا ذا العلى * حق التحرم والذمام الأوكد فارع الذمام وكن لضيفك طالبا * ان الذمام على الكريم مؤيد ورثاه أبو الفتح بن جني بقصيدة أوردها في الصبح وفيها أغلاط لم نهتد لتصحيحها أولها:
غاض القريض وأودت نضرة الأدب * وصوحت بعد ري دوحة الكتب ومنها:
سلبت ثوب بهاء كنت تلبسه * كما تخطفت بالخطية السلب وقد حلبت لعمري الدهر أشطره * تمطو بهمة لا وإن ولا نصب من للهواجل يحيي ميت أرسمها * بكل جائلة التصدير والحقب أم من لسرحانه يقريه فضلته * وقد تضور بين الياس والسغب أم للمعارك يرمي جمر جاحمها * حتى تقربها عن ساطع اللهب أم للمحافل إذ تبدو لتعمرها * بالنظم والنثر والأمثال والخطب أم للمناهل والظلماء عاكفه * مواصل الكرتين الورد والقرب أم للملوك تحليها وتلبسها * حتى تمايس في أبرادها القشب باتت وشادي اطرابي يؤرقني * لما غدوت لقى في قبضة النوب عمرت خدن المساعي غير مضطهد * ومت كالنصل لم يدنس ولم يعب فاذهب عليك سلام المجد ما قلقت * خوص الركائب بالأكوار والشعب بعض ما أثر عنه من فصيح الكلام قال ابن خلكان: لما كان بمصر مرض وكان له صديق يغشاه في علته فلما أبل انقطع عنه، فكتب إليه:
وصلتني وصلك الله معتلا وقطعتني مبلا فان رأيت أن لا تحبب العلة إلي ولا تكدر الصحة علي فعلت إن شاء الله تعالى.
شعر المتنبي لا شك أن شعره في الطبقة العالية، وأنه في وصف الجيوش والحروب لا يسبقه سابق ولا يلحقه لاحق، وأنه سبق في جميع فنون الشعر من الغزل والمديح والهجاء والرثاء والوصف والاستعطاف وأبدع وتفنن ما شاء، وإن الشعر كان طوع لسانه ينظم ما أراد وما أريد منه فيأتي ببدائع الألفاظ وغرائب، وإن شعره قد حاز شهرة عظيمة بين جميع طبقات أهل الفضل في حياته فضلا عما بعد وفاته. قال الثعالبي في اليتيمة في تتمة كلامه السابق: سار ذكره مسير الشمس والقمر وسافر كلامه في البدو والحضر، وكادت الليالي تنشده والأيام تحفظه، كما قال وأحسن ما شاء:
وما الدهر إلا من رواة قصائدي * إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا فسار به من لا يسير مشمرا * وغنى به من لا يغني مغردا وكما قال:
ولي فيك ما لم يقل قائل * وما لم يسر قمر حيث سارا وعندي لك الشرد السائرات * لا يختصصن من الأرض دارا إذا سرن من مقول مرة وثبن الجبال وخضن البحارا قال وهذا من أحسن ما قيل في وصف الشعر السائر، وأبلغ منه قول علي بن الجهم:

اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 2  صفحة : 539
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست