responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 2  صفحة : 537

أساميا لم تزده معرفة * وانما لذة ذكرناها في الصبح المنبي: نقل بعض أئمة الأدب ان رجلا من مدينة السلام كان يكره أبا الطيب فحلف ان لا يسكن بلدا يذكر فيها أبو الطيب وينشد شعره فهاجر من بغداد وكان كلما وصل بلدا سمع بها ذكره يرحل عنها حتى وصل إلى اقصى بلاد الترك فسألهم عن أبي الطيب فلم يعرفوه فلما كان يوم الجمعة سمع الخطيب ينشد بعد ذكر أسماء الله الحسنى:
أساميا لم تزده معرفة * وانما لذة ذكرناها فعاد إلى بغداد:
تشرق تيجانه بغرته * إشراق ألفاظه بمعناها دان له شرقها ومغربها * ونفسه وتستقل دنياها تجمعت في فؤاده همم * ملء فؤاد الزمان إحداها وفي الصبح المنبي: حكى عبد العزيز بن يوسف الجرجاني وكان كاتب الإنشاء عند عضد الدولة عظيم المنزلة منه قال لمال أبو الطيب المتنبي مجلس عضد الدولة وانصرف عنه اتبعه بعض جلسائه وقال له سله كيف شاهد مجلسنا وأين الامراء الذين لقيهم منا قال فامتثلت امره وجاريت المتنبي في هذا الميدان وأطلت معه عنان القول فكان جوابه عن جميع ما سمع مني ان قال ما خدمت عيناي قلبي كاليوم ولقد اختصر اللفظ وأطال المعنى وأجاد فيه وكان ذلك منه أوكد الأسباب التي حظي بها عند عضد الدولة.
ويظهر ان المتنبي كان متحرزا من الجواسيس في جميع حالاته فإنه إن كان قال هذا في حق عضد الدولة عن اعتقاد فهو لم يقل مثله عن اعتقاد في حق كافور حينما ارسل إليه من يقول له طال قيامك في مجلس كافور فقال:
يقل له القيام على الرؤوس وبذل المكرمات من النفوس كما سبق. وكان أبو علي الفارسي إذ ذاك بشيراز وكان ممر المتنبي إلى دار عضد الدولة على دار أبي علي الفارسي وكان إذا مر به أبو الطيب يستثقله على قبح زيه وما يأخذ به نفسه من الكبرياء وكان لابن جني هوى في أبي الطيب وكان كثير الاعجاب بشعره لا يبالي بأحد يذمه أو يحط منه وكان يسؤوه اطناب أبي علي في ذمه واتفق ان قال أبو علي يوما اذكروا لنا بيتا من الشعر نبحث فيه فبدأ ابن جني وانشد:
حلت دون المزار فاليوم لو * زرت لحال النحول دون العناق فاستحسنه أبو علي واستعاده وقال لمن هذا البيت فإنه غريب المعنى فقال ابن جني للذي يقول:
أزورهم وسواد الليل يشفع لي * وانثني بياض الصبح يغري بي فقال والله هذا حسن بديع جدا فلمن هما قال للذي يقوله:
امضى ارادته فسوف له قد * واستقرب الأقصى فثم له هنا فكثر اعجاب أبي علي واستغرب معناه وقال لمن هذا فقال ابن جني للذي يقول:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلى * مضر كوضع السيف في موضع الندى فقال وهذا أحسن والله لقد أطلت يا أبا الفتح فأخبرنا من القائل فقال هو الذي لا يزال الشيخ يستثقله ويستقبح زيه وفعله وما علينا من القشور إذا استقام اللب قال أبو علي أظنك تعني المتنبي قلت نعم قال والله لقد حببته إلي ونهض ودخل على عضد الدولة فأطال في الثناء على أبي الطيب ولما اجتاز به استنزله واستنشده وكتب عنه أبياتا من الشعر. قال الربعي كنت يوما عند المتنبي بشيراز فقيل له أبو علي الفارسي بالباب وكانت تاكدت بينهما المودة قال بادروا إليه فانزلوه فدخل أبو علي وانا جالس عنده قال يا أبا الحسن خذ هذا الجزء وأعطاني جزءا من كتاب التذكرة وقال اكتب عن الشيخ البيتين اللذين ذكرتك بهما وهما:
سأطلب حقي بالقنا ومشائخ * كأنهم من طول ما التثموا مرد ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دعوا * كثير إذا شدوا قليل إذا عدوا ومن مدائحه في عضد الدولة التي يذكر فيها شعب بوان وهو في طريقه إلى شيراز وهو أحد جبان الدنيا الأربع غوطة دمشق ونهر الأبلة بالبصرة وصغد سمرقند وشعب بوان وهو بين أرجان وشيراز:
مغاني الشعب طيبا في المغاني * بمنزلة الربيع من الزمان ولكن الفتى العربي فيها * غريب الوجه واليد واللسان [1] ملاعب جنة لو سار فيها * سليمان لسار بترجمان طبت فرساننا والخيل حتى * خشيت وان كرمن من الحرمان غدون تنفض الأغصان فيها * على أعرافها مثل الجمان فسرت وقد حجبن الحر عني * وجئن من الضياء بما كفاني والقى الشرق منها في ثيابي * دنانيرا تفر من البنان فلما وصل إلى هذا البيت قال له عضد الدولة والله لأقرنها وفعل:
لها ثمر تشير إليك منه * بأشربة وففن بلا أواني وأموال تصل به حصاها * صليل الحلي في أيدي الغواني ولو كانت دمشق ثنى عناني * لبيق الثرد صيني الجفان منازل لم يزل منها خيال * يشيعني إلى النوبذنجان إذا غنى الحمام الورق فيها * اجابته أغاني القيان ومن بالشعب أحوج من حمام * إذا غنى وناح إلى البيان يقول بشعب بوان حصاني * أعن هذا يسار إلى الطعان أبوكم آدم سن المعاصي * وعلمكم مفارقة الجنان فقلت إذا رأيت أبا شجاع * سلوت عن العباد وذا المكان فان الناس والدنيا طريق * إلى من ما له في الناس ثاني وقال يمدحه من قصيدة:
إن الذين أقمت وارتحلوا * أيامهم لديارهم دول الحسن يرحل كلما رحلوا * معهم وينزل حيثما نزلوا في مقلتي رشاء تديرهما * بدوية فتنت بها الحلل تشكو المطاعم طول هجرتها * وصدودها ومن الذي تصل ما أسأرت القعب من لبن * تركته وهو المسك والعسل قالت أ لا تصحو فقلت لها * أعلمتني أن الهوى ثمل حتى أتى الدنيا ابن بجدتها * فشكا إليه السهل والجبل شكوى العليل إلى الكفيل له * أن لا تمر بجسمه العلل في وجهه من نور خالقه * غرر هي الآيات والرسل


[1] غريب الوجه لا يعرفه أحد. واليد لا يملك شيئا. واللسان لا يعرف لغة أهلها. المؤلف

اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 2  صفحة : 537
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست