responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 2  صفحة : 530

سبحان خالق نفسي كيف لذتها * فيما النفوس تراه غاية الألم أتى الزمان بنوه في شبيبته * فسرهم وأتيناه على الهرم سبب الوحشة بين كافور وأبي الطيب في الصبح المنبي: أن أبا الطيب سال كافورا أن يوليه صيدا من بلاد الشام أو غيرها من بلاد الصعيد، فقال له كافور: أنت في حال الفقر وسوء الحال وعدم المعين سمت نفسك إلى النبوة، فان أصبت ولاية وصار لك اتباع فمن يطيقك. ثم وقعت الوحشة بينهما ووضع كافور عليه العيون والأرصاد خوفا من أن يهرب، وأحس المتنبي بالشر. قال الوحيدي: كنت بمصر وبها أبو الطيب ووقفت من أمره على شفا الهلاك ودعتني نفسي لحب أهل الأدب إلى أن أحثه على الخروج من مصر فخشيت على نفسي أن يشيع ذلك عني وكان هو مستعدا للهرب وإنما فات أظافير الموت ومخالب المنية من قرب وهو جنى ذلك على نفسه لأنه ترك مدح ابن حرابة وهو وزير كافور والمقرب منه وهو مع ذلك من بيت شريف أهل وزارة ورئاسة ومن العلم والأدب بموضع جليل وهو باب الملك فاتى من غير بابه وأنشده القصيدة اليائية التي أولها:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا * وحسب المنايا أن يكن أمانيا تمنيتها لما تمنيت أن ترى * صديقا فأعيا أو عدوا مداجيا وهذا الابتداء مما تمجه الاسماع فقبح ابن حرابة اثره ثم لم يزل يذكر سواد كافور ووراءه من ينبه على عيوبه كقوله في قصيدته التي قالها لما بني كافور دارا بإزاء الجامع الأعلى على البركة:
إنما يفخر الكريم أبو المسك * بما يبتني من العلياء وبأيامه التي انسلخت عنه * وما داره سوى الهيجاء وبما أثرت صوارمه البيض * له في جماجم الأعداء وبمسك يكنى به ليس بالمسك * ولكنه أريج الثناء نزلت إذ نزلتها الدار في * أحسن منها من السنا والسناء حل في منبت الرياحين منها * منبت المكرمات والآلاء تفضح الشمس كلما ذرت * الشمس بشمس منيرة سوداء ان في ثوبك الذي المجد فيه * لضياء يزري بكل ضياء إنما الجلد ملبس وابيضاض * النفس خير من ابيضاض القباء كرم في شجاعة وذكاء * في بهاء وقدرة في وفاء من لبيض الملوك ان تبدل * اللون بلون الأستاذ والسحناء يا رجاء العيون في كل أرض * لم يكن غير أن أراك رجائي فكان يقول ابن حرابة أنه هزئ بكافور في هذه الأبيات ويسهل على الناس في أمر لونه ويحسنه له. قال الوحيدي كان المتنبي يعلم أن ذكر السواد على مسامع كافور أمر من الموت فإذا ذكر لون السواد بعد ذلك فقد أساء إلى نفسه وعرضها للقتل والحرمان وكان من احسان الصنعة واجمال الطلب ان لا يذكر لونه وله عنه مندوحة ولكن الرجل كان يسئ الرأي وسوء رأيه أخرجه من حضرة سيف الدولة وشدة تعرضه لعداوة الناس وقد ذكر سواد كافور في عدة مواضع وكان اللائق أن لا يذكره الا كقوله:
فجاءت بنا انسان غير زمانه * وخلت بياضا خلفها وماقيا وهذا في أعلى طبقات الاحسان ومن هذه القصيدة قوله:
ومن قول سام لو رآك لنسله * فدى ابن أخي نسلي ونفسي وماليا ومن قوله في كافور الذي ألم فيه بذكر السواد قوله:
فدى لأبي المسك الكرام فإنها * سوابق خيل يهتدين بأدهم خروج المتنبي من مصر قاصدا الكوفة في الصبح المنبي: وفي يوم العيد سار من مصر هاربا وأخفى طريقه فلم يؤخذ له أثر حتى قال بعض أهل البادية هبه سار فيها فما محا اسره وقال بعضهم إنما عمل طريقا تحت الأرض وتبعته البادية والحاضرة من سائر الجوانب وبذل كافور في طلبه ذخائر الرغائب وكتب إلى عماله في سائر أعماله وكاتب سائر قبائل العرب في طلبه. ودخل أبو الطيب إلى موضع يعرف بنخل لعله الذي فيه قلعة النخل بعد أيام وسار حتى قرب من النقاب فرأى رائدين لبني سليم على قلوصين فركب الخيل وطردهما حتى اخذهما فذكرا له أن أهلهما ارسلوهما رائدين فاستبقاهما ورد عليهما القلوصين وسلاحهما وسارا معه حتى توسط بيوت بني سليم آخر الليل فضرب له ملاعب رئيس بني سليم خيمة بيضاء وذبح له ثم سار إلى اليفع فنزل ببادية معن فذبح له وسار إلى أن دخل حسمي وهي أرض كثيرة النخل وطابة له حسمي فأقام بها شهرا وكان نازلا بها عند وردان بن ربيعة الطائي فاستغوى عبيده وأجلسهم مع امرأته فكانوا يسرقون له الشئ بعد الشئ من رحله هكذا في الصبح المنبي وليس في الديوان أنه أجلسهم مع امرأته ويمكن أن يكون صاحب الصبح أخذه من قول المتنبي الآتي: أشذ بعرسه عني عبيدي ولا دلالة فيه لامكان أن يكون جرى فيه على مذاهب الشعراء في الهجو بالباطل والحق، وظهر لأبي الطيب فساد عبيده وكان وردان يرى عند أبي الطيب سيفا مستورا فسأله أن ينظره فابى لأنه كان على قائمة مائة مثقال من الذهب وكان سيفا ثمينا فجعل الطائي يحتال على العبيد طمعا في السيف لأن بعضهم أخبره به فلما أنكر أبو الطيب أمر العبيد وأطلع على مكاتبة كافور قبائل العرب في طلبه تقدم إلى الجمال فشد عليها أسبابه والقوم لا يعلمون برحيله وأخذ العبيد السيف فدفعه إلى عبد آخر وجاء ليأخذ فرس أبي الطيب فتنبه له وضربه أبو الطيب بالسيف فأصاب وجهه وأمر الغلمان فاجهزوا عليه وكان هذا العبد أشد من معه فقال أبو الطيب في ذلك أبياتا أولها:
أعددت للغادرين أسيافا * أجدع منهم بهن آنافا وقال أيضا يهجو وردان بن ربيعة:
إذا كانت بنو طي لئاما * فألأمها ربيعة أو بنوه وإن كانت بنو طي كراما * فوردان لغيرهم أبوه مررنا منه في حسمي بعبد * يمج اللؤم منخره وفوه أشذ بعرسه عني عبيدي * فاتلفهم ومالي اتلفوه فان شقيت بأيدهم جيادي * لقد شقيت بمنصلي الوجوه ثم لما توسط بسيطة وهي أرض تقرب من الكوفة رأى بعض عبيده ثورا فقال هذه منارة الجامع ونظر آخر نعامة فقال وهذه نخلة فضحك أبو الطيب وقال:
بسيطة مهلا سقيت القطارا * تركت عيون عبيدي حيارى فظنوا النعام عليك النخيل * وظنوا الصوار [1] عليك المنارا فامسك صحبي باكوارهم * وقد قصد الضحك فيهم وجارا


[1] الصوار القطيع من البقر. المؤلف

اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 2  صفحة : 530
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست