responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 2  صفحة : 519

قالوا: أ لم تكفه سماحته * حتى بنى بيته على الطرق فقلت: ان الفتى شجاعته * تريه في الشح صورة الفرق الشمس قد حلت السماء وما * يحجبها بعدها عن الحدق ومما يدلنا على شراسة خلق أبي الطيب واستخفافه بالناس حتى الامراء ومن يغدق عطاءه عليه انه أغضب أبا العشائر حتى ارسل غلمانه ليوقعوا بالمتنبي، فلحقوه بظاهر حلب ليلا، فرماه أحدهم بسهم فقال:
خذه وانا غلام أبي العشائر لكن أبا الطيب ما عتم ان اعتذر، فقال:
ومنتسب عندي إلى من أحبه * وللنبل عندي من يديه حفيف فهيج شوقي وما من مذلة * حننت ولكن الكريم ألوف وكل وداد لا يدوم على الأذى * دوام ودادي للحسين ضعيف فان يكن الفعل الذي ساء واحدا * فافعاله اللائي سررن ألوف ونفسي له نفسي الفداء لنفسه * ولكن بعض المالكين عنيف فإن كان يبغي قتلها يك قاتلا * بكفيه فالقتل الشريف شريف اتصاله بسيف الدولة في ديوانه قال يمدح سيف الدولة ويذكر ايقاعه بعمرو بن حابس وبني ضبة سنة 321 ولم ينشده إياها وسن أبي الطيب يومئذ 18 سنة، وسن سيف الدولة يقرب من ذلك:
ذكر الصبا ومراتع الآرام * جلبت حمامي قبل وقت حمامي دمن تكاثرت الهموم علي في * عرصاتها كتكاثر اللوام وكان كل سحابة وقفت بها * تبكي بعيني عروة بن حزام ليس القباب على الركاب * وإنما هن الحياة ترحلت بسلام ليت الذي خلق النوى جعل * الحصى لخفافهن مفاصلي وعظام متلاحظين نسح ماء شؤوننا * حذار من الرقباء في الأكمام منها:
أكثرت من بذل النوال ولم تزل * علما على الافضال والإنعام صغرت كل كبيرة وكبرت عن * لكأنه وعددت سن غلام ملك زهت بمكانه أيامه * حتى افتخرن به على الأيام وإذا سالت بنانه عن نيله * لم يرض بالدنيا قضاء ذمام منها:
فتركتهم خلل البيوت كأنما * غضبت رؤوسهم على الأجسام قوم تفرست المنايا فيكم * فرأت لكم في الحرب صبر كرام تالله ما علم امرؤ لولاكم * كيف السخاء وكيف ضرب الهام وهذه القصيدة كما يظهر من تاريخ نظمها كانت قبل سجنه بسبب إرادة الخروج على السلطان أو دعوى النبوة ان صحت فسيأتي ان وروده اللاذقية واظهاره ذلك كان سنة 320 ونيف وإن لم يكن نظمها قبل ذلك ففي سنته، ويظهر من قول جامع الديوان انه لم ينشده إياها ان ذلك كان قبل اتصاله بسيف الدولة، فالظاهر أنه نظمها لينشده إياها فلم يتيسر له ذلك فبقيت في طي الكتمان، ثم حدث عليه بعد ذلك ما حدث في السجن والمتاعب التي عرضت ثم اتصل بسيف الدولة في أنطاكية بعد نظم هذه القصيدة بإحدى عشرة سنة بعد اتصاله بأبي العشائر، وقد عرفت قول الثعالبي انه كان قبل اتصاله بسيف الدولة يمدح القريب والغريب ويصطاد الكركي والعندليب وان جائزته كانت على بعض قصائده المسماة بالدينارية دينارا واحدا، وعرفت قوله إن سيف الدولة هو الذي جذب بضبعه.
ورفع من قدره ونفق سعر شعره والقى عليه شعاع سعادته ومن هنا يعلم أن المتنبي لولا اتصاله بسيف الدولة كان خامل الذكر مجهول القدر خامد الفكر متروك الشعر وان الذي رفع مناره وسير في الدنيا أشعاره وطير ذكره في الخافقين هو سيف الدولة بمدحه له ولولا ما اقامه في حضرة سيف الدولة لم يراسله كافور ولم يخطب مدحه ابن العميد ولم يطلبه عضد الدولة ولم يتهالك في استمداحه الصاحب والوزير المهلبي وأمثالهم فيمتنع عن مدحهم.
فالمتنبي قبل اتصاله بسيف الدولة كما اخبره عن نفسه يقطع المسافات البعيدة على رجليه لا راحلة له ولا فرس غير نعله وخفه ولا خادم غير كفه يرى نفسه سعيدا اجازه علي بن منصور الحاجب على قصيدة بدينار ويبذل شعره لكل طالب من أمير وصعلوك فلا يجد له مشتريا ولا يبخل به على أمثال ابن كيغلغ كما بخل به بعد اتصاله بعضد الدولة اما سيف الدولة فلم يكن خامل الذكر مجهول القدر وكانت حضرته مملوءة بشعراء عصره وعلمائه وأدبائه واجتمع ببابه من الشعراء ما لم يجتمع لغير الخلفاء ويتيمة الدهر جلها في ذكر شعرائه وماديحه فلم تكن نباهة شانه واشتهار ذكره بحاجة إلى شعر المتنبي. قال الثعالبي لما انخرط المتنبي في سلك سيف الدولة ودرت له اخلاف الدنيا على يده كان من قوله فيه:
تركت السرى خلفي لمن قل ماله وأنعلت أفراسي بنعماك عسجدا وقيدت نفسي في هواك محبة ومن وجد الاحسان قيدا تقيدا وفي الصبح المنبي ان سيف الدولة لما قدم أنطاكية قدم أبو العشائر المتنبي إليه وأثنى عنده عليه وعرفه منزلته من الشعر والأدب. وفي ديوان المتنبي ان سيف الدولة أبا الحسن علي بن عبد الله بن حمدان العدوي عند منصرفه من الظفر بحصن برزويه وعودته إلى أنطاكية جلس في فازه من الديباج عليها صورة ملك الروم وصور وحش وحيوان فقال أبو الطيب يمدحه. وقال صاحب الصبح المنبي ان المتنبي اشترط على سيف الدولة أول اتصاله به ان لا ينشده مديحه الا هو قاعد وان لا يكلف ثقيل الأرض بين يديه فنسب إلى الجنون ودخل سيف الدولة تحت هذه الشروط ولم يذكر ذلك صاحب اليتيمة ولا هو مذكور في الديوان والاعتبار يقضي ببطلان ذلك فالمتنبي كان في ذلك الوقت في أوائل ظهوره وإن كان حصل له شئ من المال فمن جوائز الحمدانيين عشيرة سيف الدولة وعماله فكيف يتعاظم على سيف الدولة هذا التعاظم ويقبل سيف الدولة ذلك منه والذي كان لا يجلس في مجلس كافور ولا ينشده الا قائما ويقول:
يقل له القيام على الرؤوس * وبذل المكرمات من النفوس كما يأتي كيف لا يقبل ان ينشد في مجلس سيف الدولة الا قاعدا فقال أبو الطيب يمدح سيف الدولة في جمادي الأولى سنة 337 من قصيدة:
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه * بان تسعدا والدمع أشفاه ساجمه وقد يتزيا بالهوى غير أهله * ويستصحب الإنسان من لا يملائمه بليت بلى الأطلال ان لم اقف بها * وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمة قفي تغرم الأولى من اللحظ مهجتي * بثانية والمتلف الشئ غارمه إذا ظفرت منك العيون بنظرة * أثاب بها معيي المطي وزرامه يحكى انه أنشد في مجلس المعتمد بن عباد اللخمي صاحب اشبيلبة هذا البيت فجعل يردده استحسانا له وكان في مجلسه محمد بن عبد لجليل بن وهبون الأندلسي فانشد ارتجالا:

اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 2  صفحة : 519
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست