responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 10  صفحة : 409

كم فهت بالفتوى فما اختلجت لهم * مهج، ولا انتفضت لهم أجسام وامام فتواك الجريئة تنطوي * بدع الضلال، وترتمي الأصنام يا مالئ الدنيا بوهج علومه * للشرق، بل للكون أنت امام أنت الذي استسقى السماء لقومه * فدوى بها رعد وهل غمام وكان قومك والصلاة تضمهم * عقد له سلك الخشوع نظام يتساءلون، وفي انكسار جفونهم * هلع! ترى تتحقق الأحلام وإذا المياه تسيل في رحباتهم * ويفيض منها الخير والإنعام وإذا استغاثتك الحنون مبرة * وإذا صلاتك، رحمة وسلام للسيد عباس قاسم شرف يرثيه:
تضعضع الكون واندكت رواسيه * وأعول الدين ينعى فقد حاميه ساد الأنام بخلق من سجاحته * من ذا الذي كان في الدنيا يساويه؟
يا زينة الأرض والدنيا ومصلحها * وجامع الشمل والاخلاص بانيه أدى رسالته للناس قاطبة * حتى إذا بلغت طابت أمانيه يا صاحب العطف والاحسان رد على * صوت الشريد الذي قد كنت تأويه لو كان يفدى بجمع الناس كلهم * لكنت أول من يمضي ويفديه تاريخ وفاته شعرا للشيخ محمد علي صندوق مؤرخا عام وفاته، وقد ضمن الشطر الأول التاريخ الميلادي والشطر الثاني التاريخ الهجري:
ما على الركب لو أطالوا المقاما * ليؤدوا حقا ويرعوا ذماما ويؤموا قبرا براوية ضمن * نجما على النجوم تسامى رفعت راية الهدى بهداه * وحماها في الشام خمسين عاما ما عليهم لو يلثمون ثرى القبر * اعترافا بفضله واحتراما يا سليل الهدى ونخبة أهل البيت * والماجد الكريم الهماما قد شأوت المفيد علما وهديا * وخصاما لمن أراد خصاما لك نفس كريمة أبت المنصب * أو ان تداهن الحكاما خلق من محمد وعلي * وحسين قد كان فيك لزاما طبت نفسا ومغرسا وأروما * وبقرب ابنة الامام مقاما فإليك التاريخ كالعقد يزهو * وبشطرين كاملين استقاما فسلام عليه كالغيث يهمي * أو عليه السلام دام ختاما للشيخ إسماعيل قبلان في رثائه:
مضى المحسن الحبر الجليل لربه * سعيدا فأشقانا وقد سعد القبر امام التقى والدين والعلم والنهى * فقدناك فاستعصى على الأعين الصبر تركت بسفر الدهر أنصع صفحة * هي الصفحة الغراء لو نطق الدهر وشيدت للتعليم صرح معارف * فكان لمن فيه على الباطل النصر محارب البدع والأضاليل مجلة العرفان كانت الفجيعة بفقيدنا العظيم السيد محسن الأمين، من الفجائع التي لا عزاء عنها، لأن الفقيد كان قليل النظائر في الأمم الاسلامية من حيث كونه إماما من أئمة الدين الاسلامي، ومن حيث كونه زعيما من زعماء الروحانية في هذا الشرق.
فائمة الدين كثيرون اليوم، وزعماء الروحانية ليسوا قلة في الشرق، ولكن أين الامام الديني والزعيم الروحي الذي يكون في مزايا الفقيد كلها.
ليس الامام الذي نريد اليوم هو الذي يجمع علوم الأولين والآخرين في الفقه، ويضطلع بأعباء الفتيا للمسلمين، وليس الزعيم الروحي الذي نرجوه فينا في هذا الزمن، هو الذي يحمل تقاليد الروحانية الشرقية القديمة لكل ما فيها من صالح وطالح، ونافع وضار، وبكل ما فيها من اثقال تعوق المسلمين عن السير في طريق التطور الإنساني، وتؤخر الأمم الاسلامية عن اللحاق بالأمم الأخرى في مضمار الحياة والمنعة والقوة.
لا، ليس ذاك هو الامام الديني الذي نريد، وليس هذا هو الزعيم الروحي الذي نرجو ولكن نريد الامام الذي يجعل الفقه الاسلامي شريعة الله السمحة التي تراعي أحوال الناس في معايشهم وظروف حياتهم وطريقة تفكيرهم ومدى قابلياتهم لفهم حقائق الشريعة، ومقياس قدرتهم على تطبيق احكام الدين، حتى يستطيعوا ان يوفقوا بين حياتهم وقابلياتهم وطرائق تفكيرهم ومقاييس قدرتهم، وبين مقتضيات الشريعة في سلوكهم اليومي وفي تصرفاتهم في ميادين العيش والعمل، ومعنى هذا ان الشريعة قادرة ان تساير الحياة وانها لم تخلق لزمن واحد من الأزمان بل خلقت لكل زمن ولكل جيل، ولهذا كان محمد ع خاتم الأنبياء، ولهذا كان حلال محمد حلالا إلى يوم القيامة وحرام محمد حراما إلى يوم القيامة اي ان شريعة محمد قائمة في الناس إلى يوم الدين، وانها الشريعة المتميزة بالسماحة والمرونة وقابلية التطور مع الحياة ما دامت الحياة، وما دام عامل التطور يدفع الحياة في كل جيل دفعة.
وما نقصد من سماحة الشريعة ومرونتها وتطورها ان تتبدل أسس احكامها وأصول قواعدها، بل نقصد عكس ذلك تماما، نقصد ان هذه الأسس والقواعد التي تقوم عليها الشريعة الاسلامية هي بذاتها صالحة ان تساير مقتضيات الحياة، وأن تكون على وفاق دائم مع أطوار الحياة مهما اختلفت مظاهرها. وتلك هي عظمة الشريعة الاسلامية وميزتها الكبرى ومصدر بقائها خالدة إلى يوم القيامة ولا يتبدل حلالها حراما ولا يتبدل حرامها حلالا.
ونحن نريد الامام الديني الذي يجعل من الفقه الاسلامي شريعة الحياة، ويجعل شرعة الاسلام هي الشرعة الباقية الخالدة الحية ابدا ما بقيت الحياة.
وهذه أولي ميزات فقيدنا العظيم السيد محسن الأمين، فقد اضطلع بالفقه الاسلامي وعلوم الشريعة كلها، اضطلاع البصير بما في هذا الفقه وهذه الشريعة من عناصر الحياة والبقاء والخلود.
لقد أدرك رضوان الله عليه بثاقب فكره ونير عقله، ونافذ بصيرته، ان الشرع الاسلامي هو شرع الحياة الدائم، واننا إذا اتخذناه مادة جامدة راكدة لا تتحرك ولا تتطور فقد حكمنا عليه بأنه شرع فترة من الزمن، وشرع أمة واحدة من الأمم، وشرع جيل سانح من الأجيال، ومعاذ الله أن تكون شريعة خاتم الأنبياء كذلك، ومعاذ الله ان يرسله تعالى خاتما للأنبياء ثم يجعل رسالته رسالة فترة زمنية لأمة واحدة وجيل واحد فذلك نقيص العدل الإلهي.
من هنا كان الامام السيد محسن، إماما دينيا عظيما، وزعيما روحيا صالحا، فعظمته إذن هي عظمة هذه الطريقة التي فهم بها الدين ويفهم

اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 10  صفحة : 409
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست