responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 10  صفحة : 402

من كونيته ورأيته يقوي مواهب كل شخص ويغذي خصائص كل مخلوق وسمعته يقاوم كل تربية قالبية تخرج الناس على نمط واحد وتبدعهم على طراز واحد ويساعد كل ثقافة تخلق الحرية وتنشئ الاستقلالية وقد زرع في طلاب معهده الوطنية الصادقة ودفعهم إلى خدمة بلادهم دون السؤال متى الوصول ودون الاستفهام متى الراحة فباتت مدرسته مصنع رجال ومعمل ابطال.
أجل رأيته معلما يحلق طلابه فوق الأنا كلما دعت الموجبية إلى تضحية ويذوبون في نحن كلما مست الحاجة إلى ذبيحة هو في كلتا الحالتين في رأس الجبهة مثال عملي وفي طليعة الهجوم قدوة واقعية.
ورأيته وهو القائد جنديا من جنود الله.
في هذه الأيام المزدحمة بالأطماع والطافحة بالغيرة وقد أمست اللقمة عزيزة وصار فتات الخبز ثمينا واتخذ الناس المادة ربا وأقاموا الذهب ألاها، وفي هذا الزمن وقد سيطر الشح وتسلط الجشع حتى غدت التضحية لا تبذل الا بثمن ولا تعطى المشورة الا ببدل قاوم السيد محسن الأمين أمراض الأيام وأوبئة الزمن وحارب في سبل ربه وجاهد في سبيل المبادئ الإنسانية القويمة.
قضى حياته مثاليا فما التفت إلى درهم ولا اهتم بمؤونة وهو لو أراد اكتناز الأموال لبنى من الذهب قصورا، ومن النضار حصونا. قضى وهو يأكل خبزه بعرق جبينه يغذي ساعده وأما ثمار علمه فإلى أبناء الناس.
وقضى حياته بسيطا يرتدي من الثياب ناصعها ومن الألبسة أبيضها ويرفض ان تمر بها المكواة أو ان تظهر عليها الأناقة وقد عاتبه في عادته هذه ذو سلطان كانت في كلمة منه الحياة أو الموت فأجاب نحن ننظف قلوبنا وأنتم تنظفون ثيابكم فغاضت أمام بسالته حماسة بيدبا وأمام سطوته جسارة دبشليم. وقضى حياته جريئا. الهيبة تطفح منه والوقار يفيض عنه والرزانة تسير في ركابه والرصانة تسعى في اعتابه ولكنه ما تكبر يوما ولا تجبر. كان كبيرا في رحاب نفسه وعظيما في شخصيته واني لاذكر يوم صادفته في الكرك يرد الزيارة لأحد أصدقائي وهو من كبار رجال القانون، وكنت عنده اتفاقا ولأذكر اني كنت انتقد صديقي عندما اخبرني انه قبل يدي السيد محسن الأمين المجتهد الأكبر تبركا به فأنزل على صديقي باللوم الشديد وهو المتحرر من هذه العادات القديمة التي لا تزيد قدرا ولا ترفع منزلة ولاذكر دخول جندي الله علينا وانا في ثورتي تلك وما ان رأيت وقاره ونظرت هيبته حتى انحنيت على يديه اقبلهما.
وصرت صديقا لأسرته النبيلة وانا أتباهى اليوم وأقول عرفت السيد محسن الأمين المجتهد الأكبر.
ورأيته وهو جندي الله يدعو إلى السلام ويبشر بالوئام ويتمم واجباته الدينية والفروض المرسومة عليه اتماما فيه أكبر من الكمال فلقد كان كالنحلة وقد فطرت على صنع الخير وكالزنبقة وقد نشأت على العطر.
نحن نكرم الرجل ان في التماثيل المرتفعة تمجيدا لفتح مدينة وتخليصا لشعب من عبودية، وفي المدائح المسكوبة على كل ذي باس نحر ضعيفا واستاسد على مسكين، وفي الصور توزع ذات اليمين وذات اليسار وتنقل ذكرى المخترعين والفنانين والأدباء والموهوبين وغيرهم من أرباب القلم وحملة السيوف، ان في هذه الوسائل لتكريم الأبطال وفي هذه الطرق لتعظيم الكبار، ان في هذه وفي سواها من دلائل الاقرار بالجميل أشياء من الصوابية وأشياء من الموجبية ولكن الرجل الذي ان أقيم له تمثال فلا يجوز اعتراض وان وزعت له صورة فلا يسوع انتقاد، فهو تمثال جندي الله وصورته راهبا كان أو إماما مجتهدا لأن جنود الله الذين يبتعدون عن ارزاق الأرض ويستغنون عن كنوزها برضى الخالق جديرون أكثر من غيرهم بان تنصب لهم التماثيل وبان تشيد لهم المزارات. نحن نكرم الرجل، فاجعلوا حياته قصة يتداولها الناس واجعلوا ضريحه مزارا يتبارك به الناس. واجعلوا أخلاقه مدرسة يتعلم منها الناس. فيعيش المجتهد الأكبر، أخلاقا في كل من يقتدي بسيرته، وعلما في كل من يقتبس من نوره. ورجلا في كل من يسلك طريقه وينهج نهجه.
الخالد بقلم: الشيخ علي الخاقاني صاحب مجلة البيان السيد محسن الأمين هو المصلح الكبير من أشهر مشاهير علماء عصره.
في خلال مكثه الطويل في الشام استطاع ان ينقذ هذا البلد ويقلب صفحة تفكيره ويفيض عليه بأدب وعلم فأسس مدرسته المعروفة باسمه ونظم منهاجا يتلاءم وذوق العصر واخرى بجنبها لتثقيف البنات.
وحياة السيد الأمين صفحة مشرقة من الأعمال الصالحة، وسفر خالد تقرأ فيه الصلابة في المبدأ والاستقامة في السير، والصبر على استقصاء الأمور والظفر، وهو مخلوق عجيب فقد صحح لنا ما ينقل عن مشايخ السلف في صبرهم وانصرافهم وقوة الإنتاج عندهم وقد انتج كتبا قيمة بعضها يتعلق بالعقيدة والبعض الآخر بالآداب، والمجموع لتهذيب النفوس وايصالها إلى ما يلطف جوها وينحو بها إلى السعادة وهو في مجموع ما كتب ونظم انسان يفرض على العصور البقاء لذكره. وعلى المؤرخ الإشادة بفضله، وعلى المؤلفين العناية بشخصه. والسيد الأمين شعلة وهاجة من العمل المثمر، ومثال بارز للجهاد العلمي الصحيح وكتابه الأعيان لم يعرف أهميته الا الباحثون وأهل الفن، فالموضوع السماعي والبحث التاريخي يفرض على الباحث التتبع والتنقيب والمحاكمة للأقوال إلى ما يحتاج معه إلى زمن طويل لتحقيق بغيته، كما يحتاج إلى وقوف وصبر وجلد ليطمئن فيما يكتب ويؤتمن فيما يشاهد وليس بامكان كل أحد ان يحيط بهذا الفن، والسيد الأمين في كتابه هذا وفي سائر كتبه الأخرى برهن انه فهم الخلود، والعالم الذي وجب عليه ان يخدم أمته ومبدأه، والمرشد الذي يهدي الناس إلى طريق الهدى والصواب فقد خدم خلال عمره الشريف الدين والعروبة والاسلام وخدم لغة الضاد والمكتبة العربية باتحافه لها بين حين وآخر بشتى الآثار وسائر النواحي الاجتماعية والدينية في بلاده.
ولم يقصر اصلاحه على بلده الذي أقام فيه بل صرخ في وجه الجهل والعادات السقيمة والصور الشاذة والسير المعوجة في البلاد الاسلامية وهدف إلى اصلاح المنبر الحسيني فلطف معظمه باصداره بعض الكتب التاريخية

اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 10  صفحة : 402
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست