اسم الکتاب : نافذة على الفلسفة المؤلف : الساعدي، صادق الجزء : 1 صفحة : 46
إن الإيمان بوجود واقع
خارجي قضية مسلّمة لا يختلف فيها اثنان ولو في حدود الأنا المُدْرِكة ، إذ لو لم
تكن «الأنا» موجودة فكيف أنكر المنكر أو شكك المشكك بوجود الواقع الخارجي ، وحتى (باركلي)
حينما أنكر الواقع الخارجي لم ينكر ذاته المدرِكة والصور المدْرَكه ، والسرُ هو أن
ذلك معلوم عنده بالعلم الحضوري ، ومن أجله فقد ادّعى أنه ليس منكراً ولا شكاكاً
بالواقع الموضوعي الخارجي ، إلا إنه يؤمن بواقع الأنا المدرِكة والصورة
المُدْرَكَةِ وينكر الوجود المادي للأشياء ، فوضع لمذهبه قاعدة معروفة : «أن يُوجد
هو أن يُدرِك أو أن يُدْرَك» ومن الواضح أن ما سوى الأنا المدرِكة والمَدرَكات
المرتبطة بها غير معلوم لنا بالبداهة أو بالعلم الحُضوري ، بل هو بحاجة إلى برهان
ودليل ، والعقل هو الحاكم بوجودها انطلاقاً من مبدأ العليّة العقلي الذي لا يشك
فيه حتى المنكرون والشكاكون ، لأنهم حينما رفضوا الإيمان بوجود واقع موضوعي خارج
حدود الذهن البشري ، فإنما استندوا إلى دليلٍ لإثبات مدّعاهم وهذا الدليل في واقعه
علّة وسبب لإثبات منحاهم الفلسفي في إنكار الواقع أو الشك فيه.
ومبدأ العلّية يقرّر أن لكل حادثة سبباً
انبثقت منه ، فهناك كثير من الظواهر التي نتحسسها ونبحث عن سببها ، فلو كانت نابعة
من صميم ذاتنا ، لكانت معلومة لنا بالعلم الحضوري ، وحيث إنّا لا نجد علّة تلك
الحادثة في صميم وجودنا فلابد وأن يكون مصدرها شيئاً خارجَ حدود ذواتنا ، وليس ذلك
إلا الشيء الخارجي ، كما لو أمسكت شوكاً بيدك وشعرت بألم الوخز الذي يصيبها حين إمساكك
له ، فإنك ستبحث عن سببه وحينما تراجع نفسك لا تجد فيها سبباً وعلّة لذلك الألم ، إذ
لو كان لبان لك بالعلم الحضوري وجودهُ في نفسك ، هذا من ناحية.
اسم الکتاب : نافذة على الفلسفة المؤلف : الساعدي، صادق الجزء : 1 صفحة : 46