اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 79
والسحر ـ بحيث تمنع
إصابته ـ : من الخواص التي لو قالها أبقراط وجالينوس وغيرهما من الأطباء ، لتلقاها
عنهم الأطباء بالقبول والاذعان والانقياد. مع أن القائل إنما معه الحدس والتخمين
والظن. فمن كلامه كله يقين وقطع وبرهان ووحى ، أولى أن تتلقى أقواله بالقبول والتسليم
، وترك الاعتراض. وأدوية السموم تارة تكون بالخاصية ، كخواص كثير من الاحجار
والجواهر واليواقيت. والله أعلم.
( فصل ) ويجوز نفع التمر المذكور في بعض
السموم. فيكون الحديث من العام المخصوص. ويجوز نفعه ، لخاصية تلك البلد وتلك
التربة الخاصة ، من كل سم. ولكن ههنا أمر لا بد من بيانه ، وهو : أن من شرط انتفاع
العليل بالدواء قبوله واعتقاده النفع به ، فتقبله الطبيعة فتستعين به على دفع
العلة. حتى إن كثيرا من المعالجات تنفع [١]
بالاعتقاد وحسن القبول ، وكمال التلقي. وقد شاهد الناس من ذلك عجائب. وهذا : لان
الطبيعة يشتد قبولها له ، وتفرح النفس به ، فتنتعش القوة ، ويقوى سلطان الطبيعة ، وينبعث
الحار الغريزي فيساعد على دفع المؤذى. وبالعكس يكون كثير من الأدوية نافعا لتلك
العلة ، فيقطع عمله سوء اعتقاد العليل فيه ، وعدم أخذ الطبيعة له بالقبول ، فلا
يجدى [٢] عليها شيئا.
واعتبر هذا بأعظم الأدوية والأسقية [٣] ، وأنفعها للقلوب والابدان ، والمعاش
والمعاد ، والدنيا والآخرة ، وهو : القرآن الذي هو شفاء من كل داء ، كيف لا ينفع
القلوب التي لا تعتقد فيه الشفاء والنفع ، بل لا يزيدها إلا مرضا على مرضها. وليس
لشفاء القلوب دواء قط أنفع من القرآن : فإنه شفاؤها التام الكامل الذي لا يغادر
فيها سقما إلا أبرأه ، ويحفظ عليها صحتها المطلقة ، ويحميها الحمية التامة من كل
مؤذ ومضر. ومع هذا فإعراض أكثر القلوب عنه ، وعدم اعتقادها الجازم الذي لا ريب فيه
أنه كذلك ، وعدم استعماله ، والعدول عنه إلى الأدوية التي ركبها بنو حدسها [٤] ـ حال بينها وبين الشفاء به ، وغلبت
العوائد ،