اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 210
فإن قيل : فإذا كان سبب العشق ما ذكرتم
ـ : من الاتصال والتناسب الروحاني ـ فما باله لا يكون دائما من الطرفين ، بل تجده
كثيرا من طرف العاشق وحده؟ فلو كان سببه الاتصال النفسي ، والامتزاج الروحاني ـ : لكانت
المحبة مشتركة بينهما.
فالجواب : أن السبب قد يتخلف عنه مسببه
لفوات شرط ، أو لوجود مانع. وتخلف المحبة من الجانب الآخر ، لا بد أن يكون لاحد
ثلاثة أسباب : ( الأول ) : علة في المحبة ، وأنها محبة عرضية [١] ، لا ذاتية. ولا يجب الاشتراك في
المحبة العرضية [١]
، بل قد يلزمها نفرة من المحبوب. ( الثاني ) : مانع يقوم بالمحب ـ يمنع محبة
محبوبه له ـ إما في خلقه ، أو خلقه ، أو هديه ، أو فعله ، أو هيأنه ، أو غير ذلك.
( الثالث ) : مانع يقوم بالمحبوب ، يمنع مشاركته للمحب في محبته. ولولا ذلك المانع
: لقام به من المحبة ( لمحبه ) [٢]
مثل ما قام بالآخر.
فإذا انتفت هذه الموانع ، وكانت المحبة
ذاتية ـ : فلا يكون قط إلا من الجانبين.
ولولا مانع الكبر والحسد والرياسة
والمعاداة في الكفار ، لكانت الرسل أحب إليهم من أنفسهم وأهليهم وأموالهم. ولما
زال هذا المانع من قلوب أتباعهم : كانت محبتهم لهم فوق محبة الأنفس والاهل والمال.
( فصل ) والمقصود : أن العشق لما كان
مرضا من الأمراض ، كان قابلا للعلاج. وله أنواع من العلاج. فإن كان مما للعاشق
سبيل إلى وصل محبوبه شرعا وقدرا ، فهو علاجه. كما ثبت في الصحيحين ، من حديث ابن
مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: « يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة : فليتزوج ، ومن لم يستطع : فعليه
بالصوم ، فإنه له وجاء ». فدل المحب على علاجين : أصلى وبدلي ، وأمره بالأصلي ـ وهو
العلاج الذي وضع لهذا الداء ـ فلا ينبغي العدول عنه إلى غيره ما وجد إليه سبيلا.
وروى ابن ماجة في سننه ـ عن ابن عباس
رضي الله عنهما ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم
ـ أنه قال : « لم نر للمتحابين مثل النكاح ». وهذا هو [٣] المعنى الذي أشار إليه سبحانه ـ عقيب
إحلال