اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 115
فإذا انتهى المرض ووقف وسكن ، أخذ في
استفراغه واستئصال أسبابه. فإذا أخذ في الانحطاط كان أولى بذلك. ومثال هذا : مثال
العدو إذا انتهت قوته ، وفرغ سلاحه : كان أخذه سهلا ، فإذا ولى وأخذ في الهرب : كان
أسهل أخذا. وحدته وشوكته إنما هي في ابتدائه وحال استفراغه ، وسعة قوته. فهكذا
الداء والدواء سواء.
( فصل ) ومن حذق الطبيب : أنه حيث أمكن
التدبير بالأسهل [١]
، فلا يعدل إلى الأصعب ، ويتدرج من الأضعف إلى الأقوى. إلا أن يخاف فوت القوة
حينئذ : فيجب أن يبتدئ بالأقوى. ولا يقيم في المعالجة على حال واحدة : فتألفها
الطبيعة ويقل انفعالها عنه ، ولا تجسر على الأدوية القوية في الفصول القوية. وقد
تقدم أنه إذا أمكنه العلاج بالغذاء ، فلا يعالج بالدواء. وإذا أشكل عليه المرض : أحار
هو؟ أم بارد؟ فلا يقدم حتى يتبين له ، ولا يجربه بما يخاف عاقبته. ولا بأس بتجربته
بما لا يضر أثره.
وإذا اجتمعت أمراض : بدأ بما تخصه واحدة
من ثلاث خصال. ( أحدها ) : أن يكون برء الآخر موقوفا على برئه ، كالورم والقرحة.
فإنه يبدأ بالورم.
( الثاني ) : أن يكون أحدهما سببا للآخر
، كالسدة والحمى العفنة. فإنه يبدأ بإزالة السبب.
( الثالث ) : أن يكون أحدهما أهم من
الآخر ، كالحاد والمزمن. فيبدأ بالحاد. ومع هذا فلا يغفل عن الآخر.
وإذا اجتمع المرض والعرض : بدأ بالمرض ،
إلا أن يكون العرض أقوى كالقولنج ، فيسكن الوجع أولا ، ثم يعالج السدة. وإذا أمكنه
أن يعتاض عن المعالجة بالاستفراغ بالجوع أو الصوم أو النوم ، لم يستفرغه. وكل صحة
أراد حفظها ، حفظها بالمثل أو الشبه. وإن أراد نقلها إلى ما هو أفضل منها ، نقلها
بالضد.