اسم الکتاب : الإمام الحسين في حلّة البرفير المؤلف : سليمان كتّاني الجزء : 1 صفحة : 79
تتفتَّح عن مكامنها
ومقاصدها بين يديه ، وهو يجلوها بما هو مرهوب به مِن عقل ، هو ذخيرة ربِّه في أنقى
عباده.
وإنْ كنَّا نؤمن بالعقل السليم طاقة
تُحقِّق الفَهم والإدراك ، ولكنْ للجوِّ الحميم الذي ولِدَ فيه الحسين ـ مع كلِّ
الذبذبات المُتجانسة التي رافقته بجميع تأوّداتها ، مُنذ الطفولة إلى كلِّ عهد آخر
تزيَّن بالصَبْوة ، والشباب ، والرجولة ، تأثيرات بليغة الوطء وبارزة الأداء ، في
عمليَّات التكييف ، والشحذ ، والتوجيه ـ كانت كلُّها بساطاً مُرتاحاً لهذه
العقليَّة التي وصِفَت بأنَّها سليمة وباكرة النُّضج ، وأنَّه لمِن المُثير أنْ
نلمح إلى شيء مِن هذه التأثيرات المبثوثة في الجوِّ الذي نشأ فيه الحسين ، وكيف
كان لها فعل إيحائي ترهَّف به عقله ، وحِسَّه ، وتكوينه النفسي ، وكيف انطبعت به
نزعاته ، وميوله ، في النهج والتعبير.
مِن المشهور والمشهود له ، أنَّ لطفولة
الحسين تعهُّداً مُهتمَّاً ومُتفرِّداً عن المثيل ، ولقد اشترك في مثل هذا
التعهُّد المُمتاز : الجَدًّ ، والأبُ ، والأُمُّ في إخراج موحَّد لا يُشير إلاَّ
إلى وحدة القصد الذي يجتمع عليه الثلاثة ، فكان واحداً في اللون ، وواحداً في
النوع ، وواحداً في التوجيه ، وواحداً في لمِّ الأخوين إلى مُشتركٍ واحدٍ دون أيِّ
فرقٍ أو تمييز ، كأنَّهما واحد في التنشئة والتربية ، وكان الواحد منهما هو
المُكمِّل للآخر ، على بُنية في المزاج تبقى ـ أبداً ـ منقوصةً إنْ لم يَنجدل
خيطها بالخيط الآخر ، ليكونا حُبكةً واحدة في فتيلة السراج ، لقد كان الحسن
والحسين ـ فعلاً ـ شخصين بمِزاجين ، ولكنَّهما كانا في وحدة فِكريَّة ـ روحيَّة
رائعة الاندماج ، جمعتهما إلى القصد الواحد ، ليكونا أخراجاً واحداً لذلك القصد
الأكبر ، الذي جال في بال النبي وهو يزفُّ إلى إنسان الجزيرة رسالة تجمعه مِن تيهه
المُشرَّد إلى مُجتمعه المُوحَّد.
لقد تمَّ تأليف الأُمَّة وتوحيدها بعد
بذل العرق والدم ، وتمَّ الانتصار على كلِّ ما كان يُعرقل سير القافلة الكبيرة على
دروب الحياة ، وتمَّ القضاء على كلِّ تشويش كانت تتعنتر به القبليَّة ، وتشقُّ
الأُمَّة وتُبعثرها إلى ألف ، وجاء التدبير الأوحد وألاحكم ، بإلقاء زمام التحكُّم
والتعهُّد على رجل واحد مُرِّسَ بالإيمان ،
اسم الکتاب : الإمام الحسين في حلّة البرفير المؤلف : سليمان كتّاني الجزء : 1 صفحة : 79