فما ترك الصادق
يقرّ في دار الهجرة بل صار يجلبه إليه مرّة بعد أخرى ويلاقيه بالاساءة عند كلّ
جيئة ، ويهمّ بقتله في كل مرّة ، وما زال معه على هذه الحال إلى أن قضى عليه
بالسمّ.
وأما محمّد
وإبراهيم فكان يفحص عنهما بكلّ ما أوتي من حول وحيلة فكان يعلن بالأمان لهما مرّة
، ويشتدّ على أبيهما وبني الحسن اخرى ، فلم تنفعه هذه الوسائل للوصول إليهما ،
والعثور عليهما ، ثم حمل بني الحسن إلى العراق ، واستودعهم غياهب السجون ، حتى قضى
أكثرهم بأشنع قتلة وما فتئ أن فوجئ بوثبة محمّد بالمدينة والبصرة ، وهذا ما كان
يرقبه ويتذرّع بالوسائل لصدّه ، ويتخوّف عقباه ، غير أن القضاء غالب.
ملك بنو العبّاس
فظهر مكرهم وغدرهم ، بايعوا ابن الحسن ثمّ جدّوا في طلبه وطلب أخيه للقضاء عليهما
، حاول ابن عبّاس أن يضعا يديهما بيده استسلاما ، وكيف يستسلمان وفي النفوس إباء
وعزّة وآمال تؤيّدها الناس في طلب الوثبة ، وإن خمدت فيهما تلك الروح الوثّابة
استفزّها الناس بالحثّ على النهضة ، فما زالوا بهما حتى وثبا بعد ذاك الاختفاء
الطويل.
وما كانت تلك
الغدرة من بني العبّاس ببني الحسن الوحيدة في سلطانهم ، غدر المنصور بأبي مسلم
باني كيان دولتهم ، وقتلوا أبا سلمة الخلاّل وحبسوا يعقوب بن داود ، وقتلوا الفضل
بن سهل ، وما سوى هؤلاء وكم همّوا بعليّ بن يقطين وجعفر بن محمّد الأشعث الوزيرين.
وغدر المنصور أيضا
بعيسى بن موسى العبّاسي وعزله عن ولاية العهد وولّى مكانه ابنه المهدي ، وكانت
الولاية لعيسى جعلها له المنصور بدلا عن بلائه في حرب محمّد وإبراهيم وقضائه
عليهما وعلى نهضتها ، تلك النهضة التي أقلقت المنصور وجعلته يعتقد بزوال سلطانه.