إن المفهوم من
العبادة عند إطلاق هذه الكلمة ، هو العبادة البدنيّة من الصوم والصلاة والحجّ وما
سواها ، ممّا يحتاج الى نيّة القربة ، وكان الصادق عليهالسلام في هذه العبادات زين العبّاد.
وهذا السبط في
التذكرة يقول : قال علماء السير : قد اشتغل بالعبادة عن طلب الرئاسة ، وابن طلحة
في المطالب يقول : ذو علوم جمّة وعبادة موفرة وأوراد متواصلة ، ويقول : ويقسّم
أوقاته على أنواع الطاعات ، وهذا أبو نعيم في الحلية يقول : أقبل على العبادة
والخضوع ، وآثر العزلة والخشوع ولها عن الرئاسة والجموع ، ومالك بن أنس يقول : كان
جعفر بن محمّد لا يخلو من إحدى ثلاث خصال : إمّا صائما ، وإمّا قائما ، وإمّا
ذاكرا ، وكان من عظماء العبّاد ، واكابر الزهّاد ، الذين يخشون الله عزّ وجل ،
ولقد حججت معه سنة فلمّا استوت به راحلته عند الإحرام كان كلّما همّ بالتلبية
انقطع الصوت في حلقه ، وكاد أن يخرّ من راحلته ، وقال : ما رأت عين ولا سمعت اذن
ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق علما وعبادة وورعا ، الى سوى هؤلاء ممّن
ذكره بالعبادة ، وقد مرّت عليك هذه الكلمات وغيرها من ص ٧٢ الى ٨٠.
ولا بدع اذا كان
أبو عبد الله أفضل الناس عبادة وزهادة وورعا ، فإن عبادة المرء على قدر علمه
بالخالق تعالى « إنما يخشى الله من عباده العلماء » وأنت على يقين بما كان عليه
الصادق من العلم والمعرفة.
هذا شأن الصادق عليهالسلام في العبادة
البدنيّة ، وأمّا شأنه في العبادة الفضلى التي هي أزكى أثرا ، وأذكى نشرا ، وهي
عبادة العلم ونشره وتعليمه والإرشاد والإصلاح ، فلا يخفى على أحد ، وقد عرفت من
حياته العلميّة ومن