ولمّا قُتل العبّاس التفت الحسين (ع) ، فلم
يرَ أحداً ينصره ، ونظر إلى أهله وصحبه مجزّرين كالأضاحي ، وهو إذ ذاك يسمع عويل
الأيامى وصراخ الأطفال صاح بأعلى صوته : «هل من ذابّ عن حرم رسول الله؟ هل من
موحّد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟» فارتفعت أصوات النّساء
بالبكاء [٢].
ونهض السّجاد (ع) يتوكّأ على عصا ويجرّ
سيفه ؛ لأنّه مريض لا يستطيع الحركة. فصاح الحسين باُمّ كلثوم : «احبسيه ؛ لئلاّ
تخلو الأرض من نسل آل محمّد». فأرجعته إلى فراشه [٣].
ثمّ إنّه (عليه السّلام) أمر عياله
بالسّكوت وودّعهم ، وكان عليه جبّة خز دكناء [٤]
وعمامة مورَّدة أرخى لها ذوابتين ، والتحف ببردة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وتقلّد
بسيفه [٥].
وطلب ثوباً لا يرغب فيه أحد يضعه تحت
ثيابه ؛ لئلاّ يجرّد منه فإنّه مقتول مسلوب ، فأتوه بتبان [٦]
فلَم يرغب فيه ؛ لأنّه من لباس الذلّة [٧]
، وأخذ ثوباً خلقاً
[١] للسيّد جعفر
الحلّي ، طبعت بتمامها في مثير الأحزان للعلامة الشيخ شريف الجواهري.
[٣] الخصائص
الحسينيّة للشيخ جعفر الشوشتري (قدس سره) ص ١٢٩ ، الاستغاثة الرابعة .... وممَّن
نصّ على مرضه يوم كربلاء ، مصعب الزبيري في نسب قريش ص ٥٨ ، واليعقوبي في تاريخه ٢
ص ٢١٧. وقال الخوارزمي في مقتل الحسين ٢ ص ٣٢ : خرج علي بن الحسين (ع) وهو أصغر من
أخيه القتيل وكان مريضاً لا يقدر على حمل السّيف ، الخ.
[٤] روى الكليني في
الكافي على هامش مرآة العقول ٤ ص ١٠٥ عن الباقر (ع) والآلوسي في روح المعاني ٨ ص ١١١
عند قوله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ) ، وابن حجر في مجمع الزوائد
٩ ص ١٩٢ ، والخوارزمي في مقتل الحسين ٢ ص ٣٥ : كان على الحسين (ع) يوم عاشوراء جبة
خز دكناء.