اسم الکتاب : روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان المؤلف : الشهيد الثاني الجزء : 1 صفحة : 363
في الماء الجاري إلا من ضرورة
[١] فقد تساوى الماءان في النهي ، ومن ثَمَّ حكموا بكراهة
البول فيهما.
ولا يرد : أنّ
النجاسة بأس فنفيه يقتضي نفيها ؛ لأنّ المراد بالبأس في هذا ونظائره الحرامُ ؛
فإنّ البأس لغة هو : العذاب ، وهو مسبّب عن التحريم ، فأُطلق اسمه على السبب ؛ إذ
لا يصلح هنا غير ذلك من معانيه لغةً.
وقهره للنجاسة
وغلبته عليها لا يصلح دليلاً شرعيّاً ، مع معارضته بماء البئر عندهم. وخروجه بنصٍ
خاصّ عين المدّعى هنا ؛ إذ لا معارض لدليل اشتراط الكُرّيّة في عدم الانفعال
بالملاقاة.
وتعليق الحكم
بالوصف الذي هو الجريان ليس هو الحكم المتنازع ؛ لعدم دلالة الحديث عليه ، وما دلّ
عليه لا تنازع فيه. هذا مع تسليم العمل بالعلّيّة المدّعاة.
والأصل المذكور
قد عُدل عنه ؛ للدليل الدالّ على انفعال ما دون الكُرّ بالخبث.
وقد بالغ الشيخ
عليّ [٢]رحمهالله ، فادّعى الإجماع على عدم اشتراط الكُرّيّة بناءً على
أنّ المخالف معلوم النسب ، ولم يذكر ذلك غيره ، وإنّما قال الشهيد رحمهالله : لا أعلم مخالفاً [٣]. وعدم العلم لا يدلّ على العدم ، مع أنّ عدم علمه به
غريب ، وقد أسلفنا في باب الحيض ما يدلّ على عدم صحّة هذه الدعوى.
مع أنّه يمكن
معارضة هذا الإجماع ؛ لأنّ المخالف المعلوم النسب وإن كان مائةً لا حجّة في قوله.
ونحن لو حاولنا معرفة مَنْ قال بعدم الاشتراط ، لم نقدر على عشرة ، مع أنّ جماعة
من المتأخّرين عن [٤] المصنّف رحمهالله وافقوه على مقالته ، ولا شكّ أنّ للشهرة ترجيحاً ، إلا
أنّ الدليل على مدّعاها غير قائم ، ولعلّه أرجح منها.
وعلى القولين
لا فرق في الجاري بين دائم النبع صيفاً وشتاءً وبين المنقطع أحياناً ؛ لاشتراكهما
في اسم النابع والجاري حقيقةً ، فكلّ ما دلّ على أحدهما دلّ عليهما ؛ إذ الدليل
محصور فيما ذُكر.