فلو قيل : إنّ
انتفاء السؤال عن عدم الوجوب لعلّه من جهة البناء على أصالة النفي كما هو الأصل في
كلّ شيء.
ليدفعه : مضافا
إلى أنّ أصالة النفي قد لا يعبأ بها في مظانّ الاحتياط ، أنّه لو صحّ لكان متساوي
النسبة إلى طرفي المسألة ، فلعلّ عدم السؤال عن الوجوب من جهة التعويل على الأصل
المذكور وهو لا يلازم مصادفة الواقع.
ولو قيل : إنّه لو
لا المصادفة للواقع لاقتضت قاعدة [ اللطف ] الردع عنه والتنبيه على خلافه ، فحيث
ليس فليس.
لقلنا : قاعدة
اللطف على تسليم صحّتها إنّما تجري في مظانّ العصيان الموجب للخذلان واستحقاق
النيران ، وقد مرّ مرارا أنّ ترك المقدّمة من حيث هو كذلك لا يوجب استحقاق العقاب
عليه مع قطع النظر عن ترك ذيها حتّى على تقدير وجوبها ، فتكون القاعدة أيضا متساوي
النسبة إلى مصادفة الأصل وعدمها.
وثانيا : أنّ
الحكم إذا كان من الواضحات الّتي يدركها العقول السليمة فلا قضاء للعادة بالسؤال
عنه فضلا عن كثرته ، كما أنّ العطوفة لا تقتضي بيانه بخطاب مستقلّ اكتفاء منه
بتبيّنه بلسان العقل.
ألا ترى أنّ
المستقلاّت العقليّة ممّا لم يلتزم فيها أحد بلزوم وصول بيانها من الشارع بالخصوص
، فخلوّ الأخبار وغيرها عن التنبيه على الحكم في محلّ البحث لعلّه من جهة إحالة
تبيّنه إلى حكم العقل.
وبالجملة : عدم
البيان لو اريد به عدم وروده بلسان الشرع فهو مسلّم ، ولكنّه لا يوجب انتفاء
الوجوب بالمرّة ، ولو اريد به العدم مطلقا فبطلان التالي ممنوع.
ومنها : أنّه لو
استلزم إيجاب شيء إيجاب مقدّمته للزم تعقّل الموجب لها وإلاّ للزم الأمر بشيء
وإيجابه مع عدم شعور الآمر به وهو بديهيّ الاستحالة ، واللازم باطل للقطع بإيجاب
الفعل مع الذهول عمّا يلزمه.
وفيه : أنّ تعقّل
الملزوم الّذي هو المقصود أصالة يغني عن تعقّل لازمه الّذي يستحيل بدونه الوجود في
الخارج ، فيكون إيجابه كافيا في إفادة إيجابه وإن لم يكن مشعورا به وذهل عنه
الموجب بالمرّة.
غاية الأمر خروجه
مخرج التبعيّات وهو غير قادح في تحقّق أصل الحكم ، إذ ليس