ولو أردنا إدراج
عدم المانع أيضا في التقسيم نقول : بأنّ ما يتوقّف عليه الشيء إمّا أمر عدمي أو
وجودي ، والأوّل عدم المانع ، والثاني إمّا داخل في ذلك الشيء فهو الجزء ، وإمّا
خارج عنه ، فإن كان مع ذلك بحيث يلزم من وجوده الوجود فهو السبب ، وإن كان بحيث
يلزم من عدمه العدم فهو الشرط ، فالجزء على هذا التقسيم أيضا من المقدّمات ، وهو
الداخل الّذي يتوقّف عليه وجود الكلّ ، ولكن كلام القوم خال عن إدراجه في التقسيم
، ولعلّه لبنائهم على خروجه عن محلّ النزاع فتأمّل [١].
وربّما يتأمّل في
إطلاق المقدّمة عليه من حيث لزومها التقدّم على الموقوف وليس الجزء في شيء من تلك
المثابة ، لعدم تأخّر الكلّ عن جزئه بحسب الوجود ، إلاّ أن يقال : بتعميم التقدّم
ليشمل التقدّم الطبعي أيضا ، نظرا إلى أنّ الجزء وإن لم يتقدّم في الخارج غير أنّه
متقدّم بالطبع الّذي هو عبارة عمّا لا وجود للمتأخّر إلاّ وهو معه من غير كونه
علّة له ، وهو كما ترى ممّا لا ينبغي الالتفات إليه ولعلّه شبهة ناشئة عن ملاحظة
المركّبات العقليّة ، وإلاّ فالمركّبات الحسّيّة الاعتباريّة ـ ولا سيّما إذا كانت
من مقولة الأفعال الّتي يناط بها نظر الاصولي ويتعلّق بها الأحكام الشرعيّة ـ إنّما
يتحصّل في الخارج عقيب تحصّل أجزائها ، ولا سيّما الأفعال الّتي تلتئم عن أجزاء
حاصلة على سبيل التدريج والترتّب.
ولا ريب أنّ الكلّ
عبارة عن مجموعها من حيث هو كذلك ، فيكون كلّ جزء متقدّمة على الكلّ في الوجود.
وأمّا السبب : فهو
لغة ـ على ما نصّ عليه أئمّة اللغة ـ عبارة عمّا يتوصّل به إلى غيره.
وفي عرف العلماء
يطلق على معان ، فعند أهل المعقول على العلّة التامّة ، أعني المركّب من وجود
المقتضي وفقد المانع ، وعند الفقهاء والاصوليّين [٢] على المقتضي ، والظاهر أنّ
[١] وجهه : لو صحّ
ذلك لكان عليهم أن لا يذكروا السبب أيضا في ذلك المقام لجريان العلّة المذكورة فيه
أيضا. ( منه ).
[٢] ويطلق السبب عند
الاصوليّين أيضا على العلامة كالدلوك والغروب والفجر الّتي هي علامات لوجوب الصلاة
عندها ، إذ الضرورة قاضية بأنّ نفس الدلوك وغيره ليست مقتضية لوجوب الصلاة بل
المقتضي لوجوبها شيء آخر من المصالح الكامنة المؤثّرة في تلك الأوقات ، وإنّما
الامور المذكورة علامات لعروض الوجوب وحدوثه بتحقّق سببه ، والسبب حقيقة في اصطلاح
المتكلّمين في العلّة التامّة خاصّة وفي عرف الاصوليّين مجاز فيها جزما ، وهل هو
بين المقتضي والعلامة حقيقة ومجازا أو مشترك لفظا أو معنى وجوه وربّما يرجّح كما
في الضوابط الاحتمال الأخير وليس ببعيد. ( منه عفي عنه ).