البعيد إرادة
تبعيّة تكوينيّة ، حيث إنّها تابعة لإرادة إيجاد ذاته التكوينيّة ، وإرادة الإيمان
منه إرادة تكليفيّة أصليّة نظرا إلى ثبوت قدرته على الفعل واختياره فيه ، لما عرفت
من كون سببيّته للكفر اختياريّة إن كان ثبوت الكفر لازما بعد اختياره ، فلا مانع
حينئذ من تعلّق الإرادتين المفروضتين بالضدّين نظرا إلى اختلافهما بما ذكر ، وبما
تقدّم في الوجه الأوّل يظهر الوهن في ذلك.
والأولى في الجواب
: المنع عن استلزام إيجاد السبب إرادة المسبّب ، وإنّما هو مستلزم للعلم بترتّبه
عليه.
ومن البيّن أنّ
العلم بشيء لا يستلزم إرادته.
لا يقال : بأنّ
ذلك كاف في إثبات المقصود ، لصيرورة خلاف المسبّب حينئذ محالا فيستحيل تعلّق
الإرادة بالمحال ، لأنّ ذلك رجوع إلى الوجه الأوّل الّذي تقدّم ضعفه ، فلا يكون
وجها آخر كما هو المقصود.
ومنها : أنّه يصحّ
أن يقول القائل لغيره : « اريد منك الفعل ولا آمرك به » من دون تناقضين القولين.
وأجاب عنه في
النهاية : بأنّ الإرادة الاولى لم تكن خالصة ، ويمكن أن تحصل للإنسان إرادة مشوبة
بعارض فلا يتعقّبها الفعل ، فكذلك هنا.
وفيه : أنّ
المقصود بالدليل إبداء الفرق بين الإرادة والطلب بعدم وقوع تعارض بين القولين ،
وكون الإرادة الاولى مشوبة لا يجدي في دفع الاستدلال نفعا ، إذا كان المنفيّ في
القول الثاني هو تلك الإرادة ، لأنّ قضيّة ذلك وروده مناقضا للقول الأوّل وهو خلاف
ما يساعده الفهم والعرف ، فالاستدلال على حاله.
اللهمّ إلاّ أن
يرجع هذا الجواب إلى ما ذكره في التهذيب من أنّ نفي « الأمر » هاهنا معناه نفي
الإلزام وإن كان مريدا لإيقاع الفعل اختيارا.
وتوضيحه : أنّ نفي
الشيء قد يكون بانتفاء جنسه وقد يكون بانتفاء فصل من فصوله ، فإذا كان المنفيّ في
« الأمر » هو الإلزام لم يلزم المقصود بفرض عدم التناقض ، لجواز أن يكون جنسه هو
الإرادة المثبتة لا ما يغائرها ، ومن البيّن أنّ وجود الجنس يصادق انتفاء كلّ من
فصوله على البدل.
فعلى هذا لا وقع
لما أورد عليه بعض الأفاضل : بأنّا نرى صحّة ذلك مع كون إرادته في