فإن قلت : فأيّ
فائدة في اشتراط القدرة وعدم تعلّق الطلب إلاّ بما هو مقدور حينه ، فإنّ الامتثال
على ما فرضته حاصل بغير ذلك أيضا إذا تجدّد عليه القدرة.
قلت : إنّما تظهر
الفائدة فيما لم يتجدّد له قدرة على بعض مصاديق ما تصوّره الآمر ، فليس له حينئذ
أن يؤاخذ المأمور بعدم إتيانه بذلك الغير المقدور ، لما فيه من القبح المنافي
لحكمته.
ولمّ المسألة :
أنّ الأحكام ـ على ما عليه بناء المذهب ـ تتبع الصفات الكامنة من حسن أو قبح ، فإن
ظهر من الخارج أنّ ما تصوّره الآمر ليس إلاّ الطبيعة المطلقة يتبيّن أنّ الحسن
كامن في نفس الطبيعة ، كما أنّه لو ظهر أنّه إنّما تصوّرها مقيّدة ببعض الاعتبارات
يتبيّن أنّ الحسن ثابت في ذلك المقيّد دون غيره من أفراد الطبيعة ، والقدرة وعدمها
ليسا ممّا يوجب اختلافا في حسن الشيء في الواقع ولا في قبحه ، بل عدم القدرة من
قبيل موانع الطلب لا أنّه من روافع صفة الشيء ، فعدم القدرة على بعض أفراد الطبيعة
إذا كان الحسن في نفسها لا ينافي كون ذلك الفرد ذا حصّة من الحسن ، وإنّما يمنع عن
تعلّق الطلب به فعلا عينا أو تخييرا.
وقضيّة ذلك كون
الإتيان به إذا حصل القدرة عليه مجزيا لوجود المقتضي وفقد المانع ، ومثله الكلام
في القصد وعدمه ، فإنّ قصد العنوان على تقدير مدخليّته في القدرة ليس من مقتضيات
حسن المأمور به ، بل عدمه مانع عن تعلّق الطلب فعلا ، فإذا حصل الإتيان بالفعل لا
بقصد العنوان فقد حصل الإتيان بما هو من أفراد الفعل الّذي كان الحسن في طبيعته
الكلّية.
وثانيها : أنّ
المتبادر من قول القائل : « اضرب » إنّما هو الضرب المقصود ، فيكون القصد مأخوذا
في مفهوم المادّة.
ومن البيّن أنّ
الهيئة ترد على المادّة مع ما اعتبر فيها من القيود والشرائط ، والقصد منها ،
فيكون معتبرا في المأمور به.
والجواب : منع كون
القصد مأخوذا في مفهوم المادّة بما تقدّم بيانه ، والتبادر المدّعى على فرض تسليمه
إطلاقي ناش عن قرينة الطلب بملاحظة قضاء العقل باعتبار القدرة في متعلّقه ، أو عن
قرينة الغلبة والشيوع نظرا إلى أنّ ما غلب وجوده في الخارج إنّما هو الضرب المقصود
، فلذا جعلنا القصد من لوازم وجود الأفعال عادة ، وظاهر أنّ مثل هذا