والحقّ عندنا هو
الأوّل لضرورة قبح التجرّي وإبراز النفس على شرف المعصية عقلا ، وكونه موجبا
لاستحقاق الذمّ والعقوبة بحكم الوجدان السليم والعقل المستقيم ، ومحلّ الكلام من
موارده.
لا يقال : إنّ
التجرّي ليس من العنوانات المحرّمة في الشريعة فكيف يلتزم بإيجابه العصيان
والعقوبة ، لأنّه لو اريد بذلك أنّه ليس ممّا نصّ الشارع بمنعه بالخصوص فمسلّم
ولكنّه لا يقضي بانتفاء التحريم عنه ، لعدم انحصار طريق ثبوت التحريم في النصّ
عليه بخصوصه ، وإن اريد أنّه ليس ممّا يتّصف بحكم التحريم أصلا فممنوع ، كيف وهو
ممّا استقلّ العقل بقبحه وعدم إبائه عن عقوبة القادم عليه وهو من أدلّة الشرع ،
وهو مع ذلك ممّا استقرّ عليه بناء العقلاء كما لا يخفى على من لاحظ مظانّ بنائهم.
حجّة القول الآخر ـ
على ما حكي عن قائله المذكور ـ : أنّ وجوب العمل بالظنّ ليس وجوبا أصليّا كوجوب
الصلاة بل هو وجوب توصّلي من باب المقدّمة كالصلاة إلى الجوانب الأربعة ، وترك وطء
الزوجة عند اشتباهها بالأجنبيّة ، ولا عقاب على ترك المقدّمات وإنّما يترتّب
العقاب على ترك نفس الواجب.
وفيه : منع كون
العمل بالظنّ في المقام من باب المقدّمة ، فإنّه مفهوم اعتباري ومفاده وجوب
الإتيان بالواجب عينا في الوقت المظنون كونه آخر أزمنة الإمكان.
ومن البيّن أنّه
إتيان بنفس ذي المقدّمة لا بمقدّمته ، والعصيان لا يترتّب على ترك الإتيان به
لانكشاف بقاء وقته مع حصول الإتيان به فيما بعد ذلك ، وإنّما يترتّب على تأخيره عن
زمان الظنّ من جهة كونه تجرّيا على المعصية ، وإقداما على إيقاع النفس في التهلكة
، وهو عنوان آخر محرّم في نفسه بحكم العقل الكاشف عن الشرع ، ومقايسته على مقدّمات
الواجب الّتي ليس لها إلاّ وجوب توصّلي واضح الفساد.
كما أنّ دعوى عدم
العصيان في مسألة الصلاة إلى الجوانب الأربع وترك وطء الزوجة المشتبهة واضح المنع
، فإنّ المقدّمات العلميّة ليس وجوبها من باب المقدّميّة حتّى لا يترتّب عليه
العصيان الموجب لاستحقاق العقاب ، بل إنّما هو من جهة قيام الحجّة عليه بخصوصه ،
وهي الّتي قضت بحجّيّة العلم الإجمالي فيكون الوجوب شرعيّا.
ومن الواضح
البديهي حرمة مخالفة الحجّة والقيام بما يخالف الواجب الشرعي ، مع