التجوّز
به عن أحدها ، فيقصد بالاستفهام رفع الاحتمال. ولهذا يحسن فيما نحن فيه أن يجاب
بالتخيير بين الأمرين ، حيث يراد المفهوم من حيث هو ، من دون أن يكون فيه خروج عن
مدلول اللفظ. ولو كان موضوعا لكلّ واحد منهما بخصوصه ، لكان في إرادة التخيير
بينهما منه خروج عن ظاهر اللّفظ وارتكاب للتجوّز ، ومن المعلوم خلافه.
استعماله في كلّ
واحد من أفراده ولو مجازا بحكم الضرورة والعرف والعادة فاحتمل عند المخاطب تعلّق
الإرادة بخصوص بعضها مجازا ، وقد أخفى المتكلّم قرينة التجوّز لحكمة ، فيحسن له
الاستفهام عقلا وعرفا لرفع ذلك الاحتمال والتفصّي عن الأخذ بما يخالف المراد ، بل
هو موافق للاحتياط في مواضع التكليف فيحسن شرعا أيضا.
لا يقال : إذا علم
المخاطب بوضع اللفظ للأعمّ يعلم لا محالة بحصول البراءة للذمّة بأداء أيّ فرد شاء
، ومعه لا حاجة له إلى الاستفهام بل ربّما يعدّ غير مستحسن ، فلابدّ أن يكون
الاستفهام لنكتة ولا تكون إلاّ تردّد اللفظ وإجماله كما هو شأن المشتركات اللفظيّة
، لأنّ ما يقتضيه الوضع للأعمّ عند فقد القرينة إنّما هو التخيير والتجوّز بإرادة
الفرد يوجب التعيين ، وبينهما فرق واضح من حيث الأحكام والآثار ، فقد تمسّ الحاجة
إلى الاستفهام لقيام احتمال قصد التعيين بإرادة الفرد مجازا تخلّصا عن الخطأ
والوقوع في الاشتباه.
وفي كلام بعض
الأعاظم حكاية الاستدلال لهذا القول بالتقييد بأحدهما كأن يقول : « افعل الساعة »
أو « متى شئت » وجوابه : أنّه غير مناف لما اخترناه ، بل هو في نظر العرف من
أمارات التواطي فلذا احتجّ به موافقونا أيضا.
ثمّ إنّ القوم لم
يتعرّضوا لذكر حجج القول بالتراخي إلاّ بعض الأعاظم فنقل له وجوها :
أوّلها : أنّ
المطلق لا توقيت فيه فلو أراد به وقتا معيّنا لبيّنه ، فإذا فقدنا البيان علمنا
أنّ الأوقات متساوية في إيقاعه.
وثانيها : أنّ قول
القائل : « اضرب زيدا » إنّما يقتضي أمره له بأن يصير ضاربا من غير تعيين ، فليس
بعض الأوقات أولى من اخر.
وثالثها : القياس
بالخبر المنبئ عن الاستقبال ، فإذا قيل : « فلان سيفعل » لا ينبئ عن أقرب الأوقات
، فكذلك الأمر.