والجواب
عن احتجاجه الأوّل : أنّا قد بيّنا أنّ الوجوب هو المتبادر من إطلاق الأمر عرفا ،
ثمّ إنّ مجرّد استعمالها في الندب لا يقتضي كونه حقيقة ايضا ، بل يكون مجازا ؛
لوجود أماراته ، وكونه خيرا من الاشتراك ، وقوله : « إنّ استعمال اللّفظة الواحدة
في الشيئين او الأشياء كاستعمالها في الشيء الواحد في الدلالة على الحقيقة » ،
إنّما يصحّ إذا تساوت نسبة اللفظة إلى الشيئين أو الاشياء في الاستعمال ، أمّا مع
التفاوت بالتبادر وعدمه او بما أشبه هذا من علامات الحقيقة والمجاز ، فلا. وقد
بيّنا ثبوت التفاوت.
ومنها : قوله : «
وهذا يدلّ على قيام الحجّة عليهم بذلك ، حتّى جرت عادتهم » فإنّ مراده بالحجّة
إنّما هو القرينة المعيّنة للمراد ، وإلاّ لكان منافيا لما ادّعاه أوّلا من
التبادر لو نزّلنا كلامه إليه ، لأنّ التبادر مع ضميمة حجّة خارجيّة لا يقضي
بالمطلوب ، مضافا إلى عدم افتقاره بعد دعوى التبادر إلى بيان تلك المقدّمة ، فيكون
ذلك قرينة واضحة على أنّه ليس بصدد دعوى التبادر ، بل غرضه عن مجموع كلامه أنّ من
حمل الصحابة وعملهم يستكشف عن بلوغ قرينة إليهم دلّتهم على تعيين الوجوب في إرادة
الشارع ، وأقوى ما يقضي بذلك أيضا قوله ـ بعد ما ذكر ـ : « وخرجوا عمّا يقتضيه
مجرّد وضع اللغة في هذا الباب » فإنّ مقتضى وضع اللغة مع التجرّد عن القرينة إنّما
هو الوقف كما هو الحال في سائر المشتركات ، فيكون حملهم المنافي للوقف دليلا واضحا
على وجود قرينة معيّنة للوجوب لديهم قد اختفت علينا لأجل الحوادث والعوارض.
وبالجملة : لا
نفهم من السيّد قولا آخر في الصيغة بحسب عرف الشرع ، وإنّما يقول بالوجوب فيه نظير
ما يقوله كافّة الأصحاب وأرباب سائر الأقوال من دعوى قيام الدليل على وجوب حمل
الأوامر في كلام الشارع على الوجوب ، وإن لم يكن ممّا يقتضيه أصل اللغة ، غاية
الفرق بينه وبين غيره أنّه يجعله بحسب اللغة مشتركا لفظيّا بينه وبين الندب ،
وغيره بين من يجعله مشتركا معنويّا ومن يجعله حقيقة خاصّة في الأوّل ، ومن يجعله
حقيقة خاصّة في الندب وهكذا إلى سائر الأقوال.
هذا بناء على
استفادة هذا المذهب منه عن الاحتجاج المذكور لو كان عين عبارته ،