ثمّ إنّه ينبغي أن
يقطع أيضا بكون ذلك المعنى الّذي بإزائه « الأمر » من مقولة الطلب ، بمعنى إنشاء
الاقتضاء على حسبما تعلّق به الإرادة المنبعثة عن الحبّ والبغض النفسانيّين ،
فمالا طلب فيه بهذا المعنى ليس من « الأمر » في شيء بحكم العرف والوجدان ، فلا وجه
لتحديده ـ كما عن جماعة من المعتزلة ـ بإرادة الفعل ، بناء على ما سنحقّقه من كون
الطلب مغايرا للإرادة ، مضافا إلى تناوله الالتماس والدعاء اللّذين هما في الطرف
المقابل من « الأمر » اتّفاقا ، مع تناوله أيضا لما يحدث لا بعنوان الإيجاب.
وممّا قرّرنا
يتبيّن إنّه قد أخطأ من قال في تحديده ـ كما عن بعض الأشاعرة ـ : « بأنّه عبارة عن
الخبر بالثواب على الفعل والعقاب على الترك » فإنّ فساده بمكان من الوضوح.
مضافا إلى ما
أورده عليه في النهاية من أنّه باطل ، لامتناع دخول الصدق والكذب في « الأمر »
ودخولهما في الخبر ، ولأنّ خبره تعالى صدق فيجب الثواب والعقاب وهو باطل ، أمّا
الثواب فلجواز الإحباط بالردّة ، وأمّا العقاب فلجواز العفو والشفاعة.
مع أنّه يرد عليه
أيضا : اندراج الوعد والوعيد بجميع أنواعه من الله سبحانه أو النبيّ صلى الله عليه
وسلم أو الأئمّة عليهمالسلام بل وعظ الوعّاظ ونحوه ، كما أنّه قد أصاب من هذه الجهة من
ذكر في تحديده : « أنّه طلب الفعل على وجه يعدّ فاعله مطيعا » ـ كما عن بعض
الأشاعرة ـ أو أنّه : « طلب الفعل على جهة الإستعلاء » ـ كما عن الآمدي في الإحكام
ـ أو أنّه : « إقتضاء فعل غير كفّ على جهة الاستعلاء » ـ كما عن الحاجبي ـ ولكنّهم
أخطأوا باعتبارات اخر من لزوم الدور ، واندراج الطلب الاستحبابي في الحدّ كما في
الأوّل ، وخروج ما طلبه العالي إيجابا من دون أن يظهر علوّه كما في الثاني والثالث
، مضافا إلى استلزام الثالث أيضا لخروج الإيجاب الّذي يراد بـ « اترك » أو « كفّ
نفسك » أو « اترك الصلاة » فإنّ الأوّل والثاني باعتبار معناهما المادّي والأخير
باعتبار المتعلّق أمر ، وإن كان باعتبار الهيئة ـ كالأوّلين باعتبار المتعلّق ـ نهيا.
ومن هنا يتّضح أنّ متعلّق ذلك الطلب لابدّ وأن يكون فعلا ، لا بمعنى الأمر
الوجوديّ الصرف حتّى يلتزم بخروج ما يراد بمثل « اترك » من الطلب الإيجابي التفاتا
إلى كون متعلّقه أمرا عدميّا ، بل بمعنى الحدث المدلول عليه بالوضع المادّي ،
فإنّه بهذا الاعتبار في المثال المذكور مندرج في المأمور به ، للصدق العرفي الّذي
يكشف عنه عدم صحّة السلب عرفا بعنوان الجزم واليقين ، فيدخل فيه أيضا مثل « علّمني
» و « فهّمني » ويخرج منه مثل « أزيد قام أم عمرو؟ » و « هل يقوم زيد؟ » وإن شاركا
الأوّلين في أصل