ما يأتي الإشارة
إلى تفصيل ذلك عند بيان تشريع الماهيّات واختراعها ، وملخّصه : أنّ المخترع
للعبادة أو المعاملة يلاحظ الماهيّة مكيّفة بكيفيّات مخصوصة ، حاصلة من انضمام
امور بعضها إلى بعض وهو التركيب ، واقترانها بامور اخر من حالة كذا أو جهة كذا أو
زمان كذا أو مكان كذا وهو التقييد ، ثمّ يجعل لها حكما من الخمس ، وإلى هذا يشير
ما قيل : من أنّ مفهوم الصيغة يرد على المادّة بعد اعتبار قيودها وحيثيّاتها ،
فمورد الحكم الفرعي هو العمل الملحوظ معه الكيفيّة المخصوصة بأحد المعنيين أو كليهما
، لا ذات العمل بعنوانه العامّ الغير الملحوظ معه شيء من الكيفيّات المخصوصة ،
ففائدة قيد « الكيفيّة » إمّا مجرّد توضيح هذا المعنى ، أو المحافظة على طرد
التعريف بمثل مسألة وجوب شكر المنعم ، الّتي هي إمّا مسألة عقليّة صرفة أو مسألة
كلاميّة وليست من المسائل الفرعيّة ، مع أنّ الحكم المأخوذ فيها متعلّق بالشكر
الّذي هو عبارة عن صرف العبد جميع ما أنعمه المنعم فيما أنعمه لأجله ، وهو كما ترى
عمل للمكلّف غير أنّه لم يلاحظ معه في هذه القضيّة شيء من الكيفيّات المخصوصة
الّتي يتوقّف ثبوتها على ورود الشرع وثبوته ، فهو من هذه الجهة ليس بحكم فرعي ، بل
الحكم الفرعي ما اعتبر في متعلّقه الكيفيّة المخصوصة ، فيخرج بهذا القيد عن
التعريف.
ثمّ اعتبر في
الحكم الفرعي ـ مضافا إلى اعتبار تعلّقه بالعمل ـ كون تعلّقه بلا واسطة غريبة في
العروض ، بأن يكون عروضه له ذاتيّا وإسناده إليه حقيقيّا ، لا بأن يكون بحيث لو
اسند إليه كان إسنادا مجازيّا ، كحركة السفينة المسندة إلى جالسها ، فالوجوب
المستفاد من قوله تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ )[١] حكم فرعي لتعلّقه بالعمل بلا واسطة ، لا نحو وجوب الإيمان
بالله وبرسوله وباليوم الاخر وغيرها من اصول العقائد وتوابعها ، وإن صحّ فرض
تعلّقه بالصلاة بعيدا بواسطة غريبة وهي الإيمان المذكور باعتبار كونه من شروط صحّة
الصلاة ، وغيرها من الفروع ، فإنّه لمجرّد مثل هذا التعلّق البعيد لا يسمّى حكما
فرعيّا.