وبأنّ هنا مطلوبين
: الفعل ، وإيقاعه في وقت معيّن ، فبفوت الثاني لا يفوت الأوّل [١].
والجواب عن الأوّل
: أنّه قياس لا نقول به. ومع التسليم نقول : إنّ وجوب أداء الدين بعد الأجل قد علم
من خارج ، وهو اشتغال الذمّة وتعلّق الغرض بإحقاق حقوق الناس من غير مدخليّة
خصوصيّة الوقت فيه ، ولذا جاز التقديم.
وعن الثاني : أنّ
الكلام في مقيّد لو قدّم على وقته لم يعتدّ به ، والوقت في مثله قيد للمأمور به
وداخل فيه ، وإلاّ لجاز التقديم.
وعن الثالث : منع
تعدّد المطلوب ، بل هو أمر واحد مقيّد.
وتنقيح ذلك : أنّه
وقع الخلاف في أنّ المقيّد هل هو شيئان في الخارج ، هما : المطلق والمقيّد ، كما
في التعقّل والتلفّظ. أو شيء واحد ، هو ما صدقا عليه ، ويعبّر عنه باللفظ المركّب
، وبالمفهوم المركّب الذي هو مدلوله؟ فمن قال بالأوّل ، جعل القضاء بالأمر الأوّل
؛ لأنّ المأمور به حينئذ شيئان ، فإذا انتفى أحدهما بقي الآخر. ومن قال بالثاني ،
جعله بأمر جديد ؛ لأنّه ليس حينئذ في الخارج إلاّ شيء واحد ، فإذا انتفى سقط
المأمور به.
ولمّا كان هذا
الخلاف مبنيّا على الخلاف في أنّ تركّب الماهيّة من الجنس والفصل ، وتمايزهما هل
هو في الخارج ، أو العقل؟ لأنّ المطلق والمقيّد بمنزلة الجنس والفصل. فإن صحّ
الأوّل هنا ، صحّ الأوّل هناك. وإنّ صحّ الثاني هنا ، صحّ الثاني هناك. ولمّا كان
الحقّ هنا هو الثاني ـ وإلاّ لم يصحّ الحمل ، كما تقرّر في محلّه ـ يكون الحقّ
هناك أيضا هو الثاني ، فيبطل كون المطلوب متعدّدا ، ويثبت اتّحاده.
وأنت خبير بأنّ
حقيقة الثاني مبنيّة على عدم كون التركيب العقلي بحذاء التركيب الخارجي ، كتركيب
البياض من « اللون » و « مفرّق البصر » ولو كان بحذائه ـ بأن يكون الجنس مأخوذا من
المادّة ومتّحدا معها ، والفصل مأخوذا من الصورة ومتّحدا معها ـ كان للجنس وجود [٢] ممتاز عن وجود الفصل ؛ لأنّ المادّة ممتازة في الوجود
[١]
حكاه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٢٠١.
[٢]
في النسختين : « وجوده ». ولكنّ الصحيح ما أثبتناه.