وإن كان هو العقل
، فإن لم يعلم منه أنّ الفوريّة مقصودة الشارع فلا يفيد ، وإن علم منه ذلك فيثبت
منه أيضا الوضع الشرعي ؛ لأنّه أيضا من القرائن المنصوبة ، مع أنّه يبعد من الشارع
أن يريد من عامّة المكلّفين شيئا ولا ينصب لهم قرينة على مطلوبه ، بل يكل استنباطه
إلى عقولهم الناقصة حتّى يختلفوا فيه هذا الاختلاف.
واحتجّ المرتضى على الجزء الأوّل ، كما احتجّ به القائل بالاشتراك
مطلقا. وعلى الجزء الثاني بحمل الصحابة والتابعين كلّ ما ورد في الكتاب أو السنّة
على الفور [١].
والجواب : المنع ؛
لتفرّده بنقل الحمل ، بل المسلّم وجوده فيما وجد فيه قرائن الفور.
اعلم أنّ السيّد
لم يصرّح بالجزء الثاني في بحث الفور والتراخي من الذريعة ، بل اقتصر فيه على كون
الأمر مشتركا بينهما [٢] ، وصرّح به في بحث تحقيق الموضوع له ، هل هو الوجوب أو
غيره؟ ونقل فيه إجماع الإماميّة على كونه للوجوب والفور شرعا ، محتجّا بما ذكر [٣]. وقد ذكرنا الإجماع المنقول منه على كون الأمر للوجوب في تضاعيف أدلّته.
وعلى هذا ، فربّما
يعترض بأنّ ردّ إجماعه المنقول هنا ، وقبوله هناك لا يجتمعان ؛ لاتّحاد طريق نقله
فيهما ، كما في الخبر المشتمل على جزءين : أحدهما : مردود ؛ فإنّه لا ينتهض حجّة
لإثبات الجزء الآخر.
ودفعه أنّ ردّ أحد
جزءي المنقول ـ إجماعا كان أو خبرا ـ لمعارض لا يقتضي ردّ الآخر بعد ثبوت حجّيّته.
ولو سلّم وردّ مطلقا ، فلا يقدح في كون الأمر للوجوب ؛ لكفاية سائر الأدلّة
لإثباته.
إذا عرفت ذلك
فكيفيّة التفريع أنّه إذا قيل لرجل : « بع هذه السلعة » ، فقبضها وأخّر بيعها مع
القدرة عليه فتلفت ، فعلى ما اخترناه لا يضمن ، وعلى الفور يضمن ؛ لتقصيره.
وقد علم وجوب
الفور في بعض الأوامر للدلالة الخارجيّة ، كالأمر بدفع الزكاة والخمس