فيظهر منه أن زمان تلك العمرة بأسرها لا بد وأن يكون خارجاً عن ذلك الزمان
المتخلل بين العمرتين ، فكيف يجعل منه؟ ويصح به هذا القول [١] ، وهل يصلح
العطار ما أفسد الدهر.
أقول : وفي
كلام الأصحاب هنا نوع من الاضطراب ، لان بعض كلماتهم صريح في أن محل الخلاف انما
هو الزمان الواقع بين العمرتين ، كما سبق والظاهر من قول صاحب المدارك : ويمكن
المناقشة في هذه الروايات بعدم الصراحة في المنع من تكرار العمرة في الشهر الواحد
الى قوله : ولا يلزم من ذلك عدم مشروعية تكرارها في الشهر الواحد ، أن محل الخلاف
هو هذا ، وهما غير متحدين ولا متلازمين ، فان عدم مشروعية تكرارها في الشهر الواحد
لا يستلزم أن يكون الفصل بين العمرتين بشهر ، فتأمل.
والحق أن شيئاً
من تلك الاخبار لا يدل على أن الفصل بينهما يجب أو يستحب أن يكون بشهر ، فجعل هذا
محل الخلاف كأنه مما لا ينبغي.
نعم يمكن أن
يذهب منها الوهم الى عدم جواز تكرار العمرة في الشهر الواحد ، ولكنك قد عرفت أنها
غير صريحة فيه ، فإذا دل خبر آخر بعمومه على جواز تكرارها فيه بل وعلى جواز
الاتباع بين العمرتين وتواليهما ، فالأخذ به ما لم يعارضه ما هو أقوى منه أولى ،
إذ فيه جمع بين الاخبار ، وهو مهما أمكن أولى من اطراح بعضها ، أو تخصيصه من غير
مخصص يعتد به.
وأما رواية
العشرة ، فقد عرفت أنها ضعيفة السند ، فلا يثبت بها حكم ، فصح
[١] حاصله أن القول
بعدم جواز تكرارها في الشهر الواحد ليس عين القول بوجوب الفصل بين العمرتين بشهر
ولا بمستلزم له ، فان عدم جواز تكرارها مثلا في رجب وشعبان لا يستلزم أن يكون
الفصل بين عمرتيهما بشهر ، لجواز أن يأتي بها في آخر الأول ويتبعها بأخرى في أول
الأخر « منه ».