فعلى هذا لابد أن
تكون الجنة موجودة بالذات ، والنار مقدرة بالعرض وبالتبع. [١]
وعن علة انقطاع العذاب وكيفيته ينقل
مضمون ما ذكره صدرالدين الشيرازي في الاسفار بقوله : فالنفوس الشقية مادامت
على فطرة تدرك بها النقائص والأعدام الموصوفة بها التي من شأن تلك النفوس
أن تتصف بمقابلاتها ـ فتكون لها آلام شديدة بحسبها ، فتلك الآلام باقية
فيها إلى أن يزول عنها ادراكها ، إما بتبدل فطرتها إلى فطرة أدنى وأخس من
تلك الفطرة ، أو بزوال تلك النقائص والاعدام بحصول مقابلاتها من جهة إرتفاع
حال تلك النفوس وقوة كمالاتها واشتغالها بادراك أمور عالية ، كانت تعتقدها
من قبل ، وصارت ذاهلة عنها ممنوعة عن إدراكها ، لانصراف توجهها عنها إلى
تلك الشواغل الحسية ، فعلى التقديرين يزول العذاب وتحصل الراحة. [٢]
وخلاصة القول إن الفيض الكاشاني يذهب
إلى انقطاع العذاب عن الكفار ، وأنهم ليسوا بمخلدين في العذاب ، والظاهر
أنه يذهب إلى خلود الكفار في جهنم وانقطاع العذاب عنهم وهم في النار ،
ووصولهم فيها إلى نوع من الراحة بدليل استشهاده بأقوال بعض العرفاء أمثال
ابن عربي ، وعبد الرزاق الكاشاني ، حيث أشاروا فيها إلى خلود الكفار في
النار مع انقطاع العذاب عنهم وهم في النار ، وتلذذهم بالنار والزمهرير ،
لكون طبيعتهم تقتضي ذلك.
وتمسك في إثبات انقطاع العذاب عن الكفار
بعدد من الأدلة ، منها : أن السعادة والشقاوة بقضاء الله ، وأن الرحمة الالهية واسعة وشاملة لكل شيء لقوله تعالى : (
... وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ... )
وهذه الرحمة ذاتية والشرور عرضية ، والعرضي إما أن يزول ويرجع النفس إلى
فطرتها ، أو أن تتبدل فطرتها إلى فطرة أخس ، وهي الفطرة البهيمية ، وعلى
التقديرين يزول العذاب وتحصل الراحة.