وعلى هذا فالسعادة الحقيقية والمرتبة
العليا من اللذة لا يمكن الوصول إليها الا بإصلاح القوتين النظرية والعملية
معاً ، فاذا انصرفت النفس إلى اصلاح القوة النظرية وحدها دون الاهتمام
بإصلاح القوة العملية فاكتسبت هيئات بدنية ردية ، فمثل هذه النفس بعد
مفارقة البدن تصل في النتيجة إلى نوع من السعادة الخاصة بمرتبتها إلا أنها
لا تصل إلى السعادة الحقيقة ، ولهذا يقول الشيخ عن الكاملين بحسب القوة
النظرية والعملية : والعارفون المتنزهون إذا وضع عنهم درن مقارنة البدن
وانفكوا عن الشواغل ، خلصوا إلى عالم القدس والسعادة ، وانتعشوا بالكمال
الأعلى ، وحصلت لهم اللذة العليا. [١]
أما عن مصير نفوس البلهاء أو النفوس
الساذجة الصرفة فيقول الشيخ الرئيس : أما النفوس البله التي لم تكتسب الشوق
، فانها إذا فارقت البدن ، وكانت غير مكتسبة للهيئات الردية ، صارت إلى
سعة من رحمة الله تعالى ونوع من الراحة ، وإن كانت مكتسبة للهيئات البدنية
الردية وليس عندها هيئة غير ذلك ولا معنى يضاده وينافيه ، فتكون لا محالة
ممنوة بشوقها إلى مقتضاها ، فتتعذب عذاباً شديداً بفقد البدن ومقتضيات
البدن من غير أن يحصل المشتاق اليه ، لان آلة ذلك قد بطلت وخلق التعلق
بالبدن قد بقي. [٢]
وقد أشار إلى هذا المعنى في الإشارات
أيضاً بقوله : وأما البله فانهم إذا تنزهوا خلصوا من البدن إلى سعادة تليق بهم. [٣]
فالشيخ الرئيس يعتقد أن نفوس البلهاء ، وهم
الذين لم يكن لديهم شوق إلى الكمالات لأنهم لم يعرفوها لسبب نقص في
استعداداتهم العقلية ، فهذه النفوس الخالية من الكمال إذا كانت خالية أيضاً
عما يضاد الكمالات من الهيئات الردية ، فانها تصل إلى نوع من السعادة ،
أما نفوس البلهاء الذين