وتلك الشقاوة لا تكون لكل واحد من
الناقصين ، بل للذين اكتسبوا للقوة العقلية التشوق إلى كمالها ، وإذا فارقت
البدن ولم يحصل على كمالها وقعت في هذا النوع من الشقاء الأبدي. [١]
وأشار إلى هذا المعنى أيضاً في الاشارات
بقوله : واعلم أن رذيلة النقصان إنما تتأذى بها النفس الشيّقة إلى الكمال.
وذلك الشوق تابع لتنبه يفيده الاكتساب. والبله بجنبة [ نجية ] من هذا
العذاب. وإنما هو للجاحدين والمهملين والمعرضين عما ألمع به اليهم من الحق.
[٢]
فالشقاوة في رأي الشيخ الرئيس هي للنفوس
التي تنبهت لكمالاتها وعلمت بها وحصلت لها بذلك الشوق إلى كمالها ، ولكنها
غفلت عنها ، فقصرت في الحصول على هذه الكمالات مع حصول الشوق عندها ، أما
نفوس البلهاء ، وهي النفوس الساذجة الصرفة ، لا يكون لها شوق إلى كمالاتها ،
لانها لم تعرفها ، فهؤلاء لا يتعذبون لأنهم غير عارفين بكمالاتهم ، فلم
يحصل لديهم شوق إلى كمالاتهم.
وبشأن النفوس السعيدة وعن حصول السعادة
الأبدية لها ، يقول الشيخ الرئيس : وأما إذا كانت القوة العقلية بلغت من
النفس حداً من الكمال يمكنها به إذا فارقت البدن أن تستكمل الاستكمال التام
الذي لها أن تبلغه ، كان مثلها مثل الخدر الذي أذيق الطعم الألذ ، وعرض
للحالة الأشهى وكان لا يشعر بها ، فزال عنه الخدر وطالع اللذة العظيمة دفعة
، وتكون تلك اللذة لا من جنس اللذة الحسية والحيوانية بوجه ، بل لذة تشاكل
الحالة الطيبة التي للجواهر الحية المحضة ، وهي أجل من كل لذة وأشرف. [٣]
[١].
راجع : المصدر
السابق
، ص ٤٦٨ ، ٤٦٩ ؛ ص ٤٩٤ ، ٤٩٥.