وقد تطرق صدر الدين الشيرازي في تفسيره
إلى رأي الفارابي في النفوس الجاهلة بقوله : وإذا نظرت إلى ذات النفس
وفعليتها في هذا العالم ، وجدتها مبدأ القوى الجسمانية ومستخدم الآلات
الإحساسية والتحريكية... وإذا نظرت اليها بحسب نسبتها إلى وجود الروحاني ،
وجدتها قوة محضة وفاقة صرفة لارتبة لها عند سكان عالم الغيب وعالم الآخرة
نسبتها إلى الصور الأخروية نسبة البذر إلى الثمار والنطفة إلى الحيوان فان
البذر بذر بالفعل ثمرة بالقوة ، والنطفة نطفة بالفعل حيوان بالقوة ، والبذر
ليس ثمرة ، والنطفة ليست حيواناً إلا بضرب من المجاز ، فالعقل الهيولاني
لا وجود له في عالم الآخرة ما لم يحصل له فعلية روحانية ، ولهذا ذهب بعض
الحكماء إلى بطلان النفوس الخالية عن العلوم بعد بوار البدن وخراب الدنيا. [٢]
ويمكننا القول هنا بأن مايقصده المعلم
الثاني من قوله ببطلان النفوس الجاهلة ، يمكن اقتباسه من عبارة لصدر الدين
الشيرازي في الأسفار عندما تحدث عن عذاب الجهل المركب قال : وهذا هو المراد
من مذهب الحكماء ؛ إن عذاب الجهل المركب أبدي ، يعني صاحب الاعقاد الفاسد
الراسخ في جهله وعتوه ، لا يمكن عوده إلى الفطرة الأصلية ، فيصير من
الهالكين المائتين عن هذه النشأة وعن الحياة العقلية ، ولاينافي ذلك كونه
حياً بحياة أخرى نازلة دنية ، وقوله تعالى في حقه : (
لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ) أي لا يموت موت البهائم ونحوها ، ولا يحيى حياة العقلاء السعداء. [٣]
[١].
د. جعفر آل ياسين ، فيلسوفانرائدان ( الكندي والفارابي ) ص ١١٢ ، ١١٣
نقلاً عن : الانسان
في فلسفة الفارابي
، ص ١٠٧.
[٢].
صدر الدين الشيرازي ، تفسير
القرآن الكريم
، ج ٥ ، ص ٢٨١.