عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ،قَالَ:قَالَ الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «لَمَّا أَظْهَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى نُبُوَّةَ نُوحٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)وَ أَيْقَنَ الشِّيعَةُ بِالْفَرَجِ،اشْتَدَّتِ الْبَلْوَى وَ عَظُمَتِ الْغُرْبَةُ [1]إِلَى أَنْ آلَ الْأَمْرُ إِلَى شِدَّةٍ شَدِيدَةٍ نَالَتِ الشِّيعَةَ،وَ الْوُثُوبِ عَلَى نُوحٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)بِالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ،حَتَّى مَكَثَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَجْرِي الدَّمُ مِنْ أُذُنِهِ،ثُمَّ أَفَاقَ،وَ ذَلِكَ بَعْدَ ثَلاَثِمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ مَبْعَثِهِ،وَ هُوَ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ يَدْعُوهُمْ لَيْلاً وَ نَهَاراً فَيَهْرُبُونَ،وَ يَدْعُوهُمْ سِرّاً فَلاَ يُجِيبُونَ،وَ يَدْعُوهُمْ عَلاَنِيَةً فَيُوَلُّونَ.
فَهَمَّ بَعْدَ ثَلاَثِمِائَةِ سَنَةٍ بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ،وَ جَلَسَ بَعْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ لِلدُّعَاءِ،فَهَبَطَ إِلَيْهِ وَقْدٌ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَ هُمْ ثَلاَثَةُ أَمْلاَكٍ،فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ،ثُمَّ قَالُوا:يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَنَا حَاجَةٌ.قَالَ:وَ مَا هِيَ؟قَالُوا:تُؤَخِّرَ الدُّعَاءَ عَلَى قَوْمِكَ،فَإِنَّهَا أَوَّلُ سَطْوَةٍ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي الْأَرْضِ،قَالَ:قَدْ أَخَّرْتُ الدُّعَاءَ ثَلاَثَمِائَةِ سَنَةٍ أُخْرَى،وَ عَادَ إِلَيْهِمْ،فَصَنَعَ مَا كَانَ يَصْنَعُ، وَ يَفْعَلُونَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ،حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ ثَلاَثُمِائَةِ سَنَةٍ أُخْرَى وَ يَئِسَ مِنْ إِيمَانِهِمْ،جَلَسَ فِي وَقْتِ ضُحَى النَّهَارِ لِلدُّعَاءِ،فَهَبَطَ عَلَيْهِ وَفْدٌ مِنَ السَّمَاءِ السَّادِسَةِ وَ هُمْ ثَلاَثُمِائَةِ أَمْلاَكٍ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ،وَ قَالُوا:نَحْنُ وَفْدٌ مِنَ السَّمَاءِ السَّادِسَةِ خَرَجْنَا بُكْرَةً وَ جِئْنَا [2]صَحْوَةً،ثُمَّ سَأَلُوهُ مِثْلَ مَا سَأَلَهُ وَفْدُ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ،فَأَجَابَهُمْ إِلَى مِثْلِ مَا أَجَابَ أُولَئِكَ الثَّلاَثَةَ.
وَ عَادَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)إِلَى قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ فَلاَ يَزِيدُهُمْ دُعَاؤُهُ إِلاَّ فِرَاراً،حَتَّى انْقَضَتْ ثَلاَثُمِائَةِ سَنَةٍ أُخْرَى تَتِمَّةُ تِسْعِمِائَةِ سَنَةٍ،فَصَارَتْ إِلَيْهِ الشِّيعَةُ،وَ شَكَوْا مَا يَنَالُهُمْ مِنَ الْعَامَّةِ وَ الطَّوَاغِيتِ وَ سَأَلُوهُ الدُّعَاءَ بِالْفَرَجِ،فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ وَ صَلَّى وَ دَعَا،فَهَبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ).فَقَالَ لَهُ:إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَدْ أَجَابَ دَعْوَتَكَ فَقُلْ لِلشِّيعَةِ يَأْكُلُونَ التَّمْرَ وَ يَغْرِسُونَ النَّوَى وَ يُرَاعُونَهُ [3]حَتَّى يُثْمِرَ،فَإِذَا أَثْمَرَ،فَرَّجْتُ عَنْهُمْ،فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ،وَ عَرَّفَهُمْ ذَلِكَ فَاسْتَبْشَرُوا بِهِ،فَأَكَلُوا التَّمْرَ وَ غَرَسُوا النَّوَى وَ رَاعَوْهُ حَتَّى أَثْمَرَ،ثُمَّ صَارُوا إِلَى نُوحٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)بِالتَّمْرِ،وَ سَأَلُوهُ أَنْ يُنْجِزَ لَهُمُ الْوَعْدَ،فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ،فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:قُلْ لَهُمْ:كُلُوا هَذَا التَّمْرَ،وَ اغْرِسُوا النَّوَى،فَإِذَا أَثْمَرَ فَرَّجْتُ عَنْكُمْ:
فَلَمَّا ظَنُّوا أَنَّ الْخُلْفَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ،ارْتَدَّ مِنْهُمُ الثُّلُثُ وَ ثَبَتَ الثُّلُثَانِ،فَأَكَلُوا التَّمْرَ وَ غَرَسُوا النَّوَى حَتَّى إِذَا أَثْمَرَ أَتَوْا بِهِ نُوحاً(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،فَأَخْبَرُوهُ وَ سَأَلُوهُ أَنْ يُنْجِزَ لَهُمُ الْوَعْدَ،فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ،فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ قُلْ لَهُمْ:كُلُوا هَذَا التَّمْرَ،وَ اغْرِسُوا النَّوَى،فَارْتَدَّ الثُّلُثُ الْآخَرُ وَ بَقِيَ الثُّلُثُ،فَأَكَلُوا التَّمْرَ وَ غَرَسُوا النَّوَى،فَلَمَّا أَثْمَرَ أَتَوْا بِهِ نُوحاً(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)فَقَالُوا:لَمْ يَبْقَ مِنَّا إِلاَّ الْقَلِيلُ وَ نَحْنُ نَتَخَوَّفُ عَلَى أَنْفُسِنَا بِتَأَخُّرِ الْفَرَجِ أَنْ نَهْلِكَ،فَصَلَّى نُوحٌ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)ثُمَّ قَالَ:يَا رَبِّ،لَمْ يَبْقَ مِنْ أَصْحَابِي إِلاَّ هَذِهِ الْعِصَابَةُ،وَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْهِمُ الْهَلاَكَ إِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمُ الْفَرَجُ،فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ:قَدْ أَجَبْتُ دُعَاءَكَ،فَاصْنَعِ الْفُلْكَ،وَ كَانَ بَيْنَ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَ الطُّوفَانِ خَمْسُونَ سَنَةً».
[1] في المصدر:الفرية.
[2] في المصدر:و جئناك.
[3] في المصدر:يأكلوا التمر و يغرسوا النوى و يراعوه.