responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 8  صفحة : 396

لمّا خرج لمحاربة بابك [1]، ثم تنكّر له؛ فوجّه يوما بمن جاء به ليقتله. و بلغ المعتصم الخبر، فبعث إليه بأحمد/ بن أبي دواد و قال له: أدركه، و ما أراك تلحقه، فاحتل في خلاصه منه كيف شئت. قال ابن أبي دواد: فمضيت ركضا حتى وافيته، فإذا أبو دلف واقف بين يديه و قد أخذ بيديه غلامان له تركيّان، فرميت بنفسي على البساط، و كنت إذا جئته دعا لي بمصلّى، فقال لي: سبحان اللّه! ما حملك على هذا؟ قلت: أنت أجلستني هذا المجلس. ثم كلّمته في القاسم و سألته فيه و خضعت له، فجعل لا يزداد إلّا غلظة. فلما رأيت ذلك قلت: هذا عبد و قد أغرقت في الرّفق به فلم ينفع، و ليس إلا أخذه بالرّهبة و الصّدق؛ فقمت/ فقلت: كم تراك قدرت! تقتل أولياء أمير المؤمنين واحدا بعد واحد، و تخالف أمره في قائد بعد قائد! قد حملت إليك هذه الرسالة عن أمير المؤمنين، فهات الجواب!. قال:

فذلّ حتى لصق بالأرض و بان لي الاضطراب فيه. فلما رأيت ذلك نهضت إلى أبي دلف و أخذت بيده، و قلت له: قد أخذته بأمر أمير المؤمنين. فقال: لا تفعل يا أبا عبد اللّه. فقلت: قد فعلت و أخرجت القاسم فحملته على دابّة و وافيت المعتصم. فلما بصر بي قال: بك يا أبا عبد اللّه وريت زنادي، ثم ردّ عليّ خبري مع الأفشين حدسا بظنّه ما أخطأ فيه حرفا؛ ثم سألني عما ذكره لي و هو كما قال، فأخبرته أنه لم يخطئ حرفا.

أنكر عليه أحمد بن أبي دواد الغناء مع جلالة قدره و كبر سنه‌

: و قال عليّ بن محمد حدّثني جدّي قال:

كان أحمد بن أبي دواد ينكر أمر الغناء إنكارا شديدا. فأعلمه المعتصم أن صديقه أبا دلف يغنّي؛ فقال: ما أراه مع عقله يفعل ذلك. فستر أحمد بن أبي دواد في موضع و أحضر أبا دلف و أمره أن يغنّي، ففعل ذلك و أطال؛ ثم أخرج أحمد بن أبي دواد عليه من موضعه و الكراهة ظاهرة في وجهه. فلما رآه أحمد قال له: سوأة لهذا من فعل [2]! بعد هذه السّنّ و هذا المحلّ تضع نفسك كما أرى! فحجل أبو دلف و تشوّر [3]، و قال: إنهم أكرهوني على ذلك. فقال: هبهم أكرهوك على الغناء أ فأكرهوك على الإحسان و الإصابة!.

سمع المعتصم غناءه عند الواثق فمدحه‌

: قال عليّ و حدّثني جدّي: أنّ سبب منادمته للمعتصم أنه كان نديما للواثق، و كان أبو دلف قد وصف للمعتصم فأحب أن يسمعه، و سأل الواثق عنه؛ فقال: يا أمير المؤمنين، أنا على الفصد غدا و هم عندي. فقال له المعتصم:

أحبّ ألّا تخفي عليّ/ شيئا من خبركم. و فصد الواثق، فأتاه أبو دلف و أتته رسل الخليفة بالهدايا، و أعلمهم الواثق حضور أبي دلف عنده؛ فلم يلبث أن أقبل الخدم يقولون: قد جاء الخليفة. فقام الواثق و كلّ من عنده حتى تلقّوه حين برز من الدّهليز إلى الصّحن؛ فجاء حتى جلس، و أمر بندماء الواثق فردّوا إلى مجالسهم. قال حمدون [4]:

و خنست عن مجلسي الذي كنت فيه لحداثتي؛ فنظر المعتصم إلى مكاني خاليا، فسأل عن صاحبه فسمّيت له، فأمر بإحضاري فرجعت إلى مكاني، و أمر بأن يؤتى برطل من شرابه فأتي به؛ فأقبل على أبي دلف فقال له: يا قاسم، غنّ‌


[1] هو بابك الخرّمي الطاغية الذي كاد أن يستولي على الممالك زمن المعتصم، كان يرى رأي المزدكية من المجوس الذين خرجوا أيام قباذ و أباحوا النساء و المحرّمات، و قتلهم أنوشروان. (عن شرح القاموس مادة خرم).

[2] كذا في «ج». و في «سائر الأصول»: «سوأة لمن فعل هذا ...».

[3] تشوّر: خجل.

[4] هو حمدون بن إسماعيل بن داود الكاتب أوّل من نادم الخلفاء من أهله.

اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 8  صفحة : 396
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست