كما
غنّته. و علم القوم ما أرادت بهذا الشعر؛ فقال ابن عائشة: جعلت/ فداك! نرجو أن
يدوم مجلسنا، و يؤثر أصحابنا المقام بالمدينة فنواسيهم من كل ما نملكه. قال أبو
عبّاد: و كيف بذاك!. فباتوا بأنعم ليلة و أحسنها. قال إسحاق قال أبي قال لي يونس:
قال أبو عبّاد: لا أعرف يوما واحدا منذ عقلت و لا ليلة عند خليفة و لا غيره مثل
ذلك اليوم، و لا أحسبه/ يكون بعد. قال يونس: و لا أدركنا نحن مثل ذلك اليوم و لا
بلغنا. قال إسحاق: و لا أنا، و لا أحسب ذلك اليوم يكون بعد.
زارها عبد
اللّه بن جعفر فصرفت من عندها و أقبلت عليه تلاطفه
: و حدّثني أبي
قال حدّثنا يونس قال قال لي أبو عبّاد:
أتيت جميلة
يوما و كان لي موعد ظننت [1] أنّي سبقت الناس إليها، فإذا مجلسها غاصّ؛ فسألتها أن
تعلّمني شيئا؛ فقالت لي: إنّ غيرك قد سبقك و لا يجمل تقديمك على من سواك فقلت:
جعلت فداك! إلى متى [2] تفرغين ممّن سبقني! قالت: هو ذاك، الحقّ يسعك و يسعهم.
فبينا نحن كذلك إذ أقبل عبد اللّه بن جعفر- و إنه لأول يوم رأيته و آخره و كنت
صغيرا كيّسا، و كانت جميلة شديدة الفرح- فقامت و قام الناس، فتلقّته و قبّلت رجليه
و يديه، و جلس في صدر المجلس على كوم لها و تحوّق [3] أصحابه حوله، و أشارت إلى من
عندها بالانصراف، و تفرّق الناس، و غمزتني أن لا أبرح فأقمت. و قالت: يا سيّدي و
سيّد آبائي و مواليّ، كيف نشطت إلى أن تنقل قدميك إلى أمتك؟
قال: يا جميلة،
قد علمت ما آليت على نفسك ألّا تغنّي أحدا إلّا في منزلك، و أحببت الاستماع و كان
ذلك طريقا مادّا فسيحا. قالت: جعلت فداك! فأنا أصير إليك و أكفّر. قال: لا أكلّفك
ذلك، و بلغني أنك تغنّين بيتين لامرئ القيس تجيدين الغناء فيهما، و كان اللّه أنقذ
بهما جماعة من المسلمين من الموت. قالت: يا سيّدي نعم! فاندفعت تغنّي فغنّت
بعودها، فما سمعت منها قبل ذلك و لا بعد إلى أن ماتت مثل ذلك الغناء؛ فسبّح عبد
اللّه بن جعفر و القوم معه. و هما:
[4] الشريعة:
مورد الماء الذي تشرع فيه الدواب. وهمها: طلبها. و الفريضة: اللحم الذي بين الكتف
و الصدر. و الفرائص أيضا:
العروق. و
الضمير في رأت للحمر. يريد أن الحمر لما أرادت شريعة الماء خافت على أنفسها من
الرماة و أن تدمى فرائصها من سهامهم فعدلت إلى «ضارج» لعدم الرماة على العين التي
فيها. و «ضارج»: موضع في بلاد بني عبس. و العرمض: الطحلب.
و طام:
مرتفع. «عن اللسان» مادة ضرج.
[5] ورد في
«اللسان» (مادة ضرج) بعد إيراد هذه الرواية: «قال ابن بري: ذكر النحاس أن الرواية
في البيت: يفيء عليها الطلح».