فقال: لوددت
أنّي عرفت كيف جلتها. فقيل له: إن أم منظور هذه حيّة. فكتب في حملها إليه مكرّمة
فحملت إليه.
فقال لها:
أخبريني عن قول جميل:
ما أنس لا أنس منها نظرة سلفت
بالحجر يوم جلتها أمّ منظور
كيف كانت هذه
الجلوة؟ قالت [1]: ألبستها قلادة بلح و مخنقة بلح واسطتها تفّاحة، و ضفرت شعرها و
جعلت في فرقها شيئا من الخلوق. و مرّ بنا جميل راكبا ناقته فجعل ينظر إليها بمؤخّر
عينه و يلتفت إليها حتى غاب عنا. فقال لها مصعب: فإنّي أقسم عليك/ إلّا جلوت عائشة
بنت طلحة مثل ما جلوت بثينة، ففعلت: و ركب مصعب ناقته و أقبل عليهما و جعل ينظر
إلى عائشة بمؤخّر عينه و يسير حتى غاب عنهما ثم رجع.
زارها مرة
متنكرا في زي سائل
: أخبرني
الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني بهلول عن بعض مشايخه:
أنّ جميلا جاء
إلى بثينة ليلة و قد أخذ ثياب راع لبعض الحيّ، فوجد عندها ضيفانا لها، فانتبذ
ناحية، فسألته:
من أنت؛ فقال:
مسكين مكاتب [2]، فجلس/ وحده، فعشّت ضيفانها و عشّته وحده. ثم جلست هي و جارية لها
على صلائهما و اضطجع القوم منتحين. فقال جميل:
واعدته مرة و
أحس أهلها فمنعوها فقال في ذلك شعرا
:
هل البائس المقرور دان فمصطل
من النار أو معطى لحافا فلابس
فقالت
لجاريتها: صوت جميل و اللّه! اذهبي فانظري!. فرجعت إليها فقالت: هو و اللّه جميل!
فشهقت شهقة سمعها القوم فأقبلوا يجرون و قالوا مالك؟ فطرحت بردا لها من حبرة في
النار و قالت: احترق بردي، فرجع القوم. و أرسلت جاريتها إلى جميل، فجاءتها به،
فحبسته عندها ثلاث ليال، ثم سلّم عليها و خرج.
و قال الهيثم و
أصحابه في أخبارهم:
كانت بثينة قد
واعدت جميلا للالتقاء في بعض المواضع، فأتى لوعدها. و جاء أعرابيّ يستضيف القوم
فأنزلوه و قروه، فقال لهم: إني قد رأيت في بطن هذا الوادي ثلاثة نفر متفرّقين
متوارين في الشجر و أنا خائف عليكم أن يسلّوا [3] بعض إبلكم. فعرفوا أنه جميل و
صاحباه، فحرسوا بثينة و منعوها من الوفاء بوعده. فلما أسفر له الصبح انصرف كئيبا
سيّئ الظنّ بها و رجع إلى أهله، فجعل نساء الحيّ يقرّعنه بذلك و يقلن له: إنما
حصلت منها على الباطل و الكذب و الغدر، و غيرها أولى بوصلك منها، كما أن غيرك يحظى
بها. فقال في ذلك: