فأقمت عندهم حتى أسحرت [1]، ثم نهضت و معي العبد حتى قدمت المدينة،
فجئت عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عند المساء و هو يعشّي أصحابه، فجلست معهم و
جعلت أتعاجم و أقول: يار يار [2]/ ابن طيّار [3]؛ فلما خرج أصحابه كشفت له عن
وجهي، فقال: ابن قيس؟ فقلت: ابن قيس، جئتك عائذا بك؛ قال: ويحك! ما أجدّهم في طلبك
و أحرصهم على الظّفر بك! و لكني سأكتب إلى أمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان فهي
زوجة الوليد بن عبد الملك، و عبد الملك أرقّ شيء عليها. فكتب إليها يسألها أن
تشفع له إلى عمّها، و كتب إلى أبيها يسأله أن يكتب إليها كتابا يسألها الشفاعة؛
فدخل عليها عبد الملك كما كان يفعل و سألها؛ هل من حاجة؟ فقالت: نعم لي حاجة،
فقال: قد قضيت كل حاجة لك إلا ابن قيس الرقيّات؛ فقالت: لا تستثن عليّ شيئا! فنفح
[4] بيده فأصاب خدّها، فوضعت يدها على خدّها؛ فقال لها: يا بنتي ارفعي يدك، فقد
قضيت كلّ حاجة لك و إن كانت ابن قيس الرقيّات؛ فقالت: إنّ حاجتي ابن قيس الرقيات
تؤمّنه، فقد كتب إليّ أبي يسألني أن أسألك ذلك؛ قال: فهو آمن، فمريه يحضر مجلسي
العشيّة؛ فحضر/ ابن قيس و حضر الناس حين بلغهم مجلس عبد الملك، فأخّر الإذن، ثم
أذن للناس، و أخّر إذن ابن قيس الرقيّات حتى أخذوا مجالسهم، ثم أذن له؛ فلما دخل
عليه قال عبد الملك: يأهل الشأم، أ تعرفون هذا؟ قالوا: لا؛ فقال: هذا عبيد اللّه
بن قيس الرقيّات الذي يقول:
مدح عبد
الملك بما لم يرضه فأمنه و قطع عطاءه فتعهد له به ابن جعفر طول حياته:
فقالوا: يا
أمير المؤمنين اسقنا دم هذا المنافق! قال: الآن و قد أمّنته و صار في منزلي و على
بساطي! قد أخّرت الإذن له لتقتلوه فلم تفعلوا. فاستأذنه ابن قيس الرقيّات أن ينشده
مديحه فأذن له، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
[2] يار:
كلمة فارسية، و معناها: الصاحب و الشفيق و المعين.
[3] الطيار:
لقب جعفر بن أبي طالب والد عبد اللّه هذا، و كان قد قطعت يداه في غزوة مؤتة فأثابه
اللّه بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء. (انظر «سيرة ابن هشام» ج 2 ص 795
طبع أوروبا).
[5] كذا في
ط، ء، م و كذلك صححها المرحوم الأستاذ الشنقيطي في نسخته و هي «الرواية المشهورة».
و في ب، س، ح: «إلى».
[6] الخدام:
جمع خدمة (بالتحريك) و هي الخلخال. و قد أورد صاحب «اللسان» هذين البيتين في مادة
خدم ثم قال: «أراد و تبدى عن خدام العقيلة. و خدام هاهنا في نية عن خدامها، و عدّي
تبدي بعن لأن فيه معنى تكشف كقوله: